الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: قد بينا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال سيتم الإجابة على السؤال الأول منها وإهمال بقية الأسئلة، وبما أن الأخ السائل أدخل عدة أسئلة فإننا سنجيب على السؤال الأول فقط، وهو السؤال المتعلق بإنكار المنكر وهل ينكر على صاحبه كل منكر يسمعه أو يراه منه، أو أنه يغض الطرف عن بعضها لكي لا ينفر رجاء قبول دعوته ؟
فنقول: إن الأصل فيمن حضر منكرا أن يغيره على ما جاء في حديث: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رواه مسلم. فإذا اغتاب صاحبُك، ونَمَّ، وكذبَ، وسَبَّ، وأراد شرب الدخان -مثلا- فالواجب إنكار هذا كله عليه إما باللسان، أو باليد على حسب الإمكان. هذا هو الأصل ولا يُتغاضى عن منكر منها، ولكن إن علمت أنك لو أنكرت عليه كل منكراته ترتب على ذلك أنه سيترك الصلاة أو غيرها من الواجبات، فحينئذ يجوز لك ترك الإنكار عليه دفعا لمفسدة أكبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ إذَا نُهُوا عَنْ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ تَرَكُوا الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةَ الْوَاجِبَةَ، لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا؛ لِمَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْحَسَنَاتِ الْوَاجِبَةِ؛ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُفْعَلُ حِينَئِذٍ تَمَامُ الْوَاجِبِ ... اهــ.
وقال أيضا: وَمِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ تَرْكًا لِمَعْرُوفِ هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً مِنْ تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، فَيَسْكُتُ عَنْ النَّهْيِ خَوْفًا أَنْ يَسْتَلْزِمَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ. فَالْعَالِمُ تَارَةً يَأْمُرُ، وَتَارَةً يَنْهَى، وَتَارَةً يُبِيحُ، وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ، أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ - كَمَا تَقَدَّمَ - بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 153685عن تأويل قول الله عز وجل: (عليكم أنفسكم) وما ورد عن بعض الصحابة فيها أنها في زمن اختلاف قلوب الناس. وهل هذا هو زمانه.
والله تعالى أعلم.