الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأما السؤال عما إذا كان سقط التكليف عن أبيك أم لا: فهذا يرجع فيه إلى مدى فقده للذاكرة, وما ذكرته عنه من عدم معرفته بالأسماء وأوقات الصلاة وعدد الركعات دليل على فقد الإدراك، وفاقد الإدراك غير مكلف ولا يطالب بالصلاة, ولكن الجزم بكونه فاقد الإدراك فقدا مطبقا أو كونه معتوها أو يفقد عقله أحيانا ويثوب إليه أحيانا أخرى، فمثل هذه المعرفة تتطلب مخالطة لوالدك أو مشاهدته.
والذي يمكننا قوله هو أن نبين لك ضابط الجنون والعته الذي يزول معه التكليف، وقد ذكرناه في الفتويين رقم: 199245، ورقم: 101022، فانظر إلى هاتين الفتويين وما إذا كان وصف الجنون أو العته يصدق على أبيك أم لا؟.
فإن لم يصدق عليه ذلك الوصف فهو مكلف, ولعل تأخركم عن الصف الأول حينئذ بسبب القيام على خدمته وإحضاره إلى المسجد أعظم لأجركم، لما فيه من البر، وإذا كان قد جاء في الحديث: ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرا. رواه الطبراني، فكيف بخدمة الأب وإحضاره للمسجد؟.
وأما إذا كان صدق عليه وصف العته أو الجنون فهو غير مكلف, وإذا كان كذلك فلستم مطالبين شرعا بأخذه إلى المسجد ولتجتهدوا في إلهائه وإشغاله عن الذهاب للمسجد، فإن أصر على الذهاب وعلمتم أنه يتأذى ويغضب إن لم تذهبوا به وكان لا يُشوش على المصلين ولا يسبب لهم أذى فلعل من البر أن تطيعوه وتذهبوا به، لأن إرضاءه والإحسان إليه مطلوب ولو كان مجنونا.
ولا ندري هل تأخركم عن الصف الأول بسببه حينئذ أفضل أم لا؟ ولا نقول إن طاعتكم له واجبة في هذه الحال؛ لما ذكره بعض الفقهاء من أن أمر الوالد إذا كان ناتجا عن قلة عقل وحمق لم تجب طاعته فيه, قال ابن حجر الهيتمي: وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل. اهـ.
وانظر للأهمية الفتوى رقم: 225553.
والله أعلم.