الحمد لله, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيلزم كل واحد من والديك فدية لأجل ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام - وهو لبس القميص لوالدك، والنقاب لوالدتك - والفدية يخير فيها كل واحد منهما بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين, لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة.
ولا يصح أن يقال: إنهما كانا مكرهين, بل ولم يكونا مضطرين أيضًا لهذه الحيلة، لا سيما وقد اشترطا عند إحرامهما - كما ذكرت -.
والمحرم إذا منع من دخول مكة, وكان قد اشترط, فله أن يتحلل من إحرامه، ولا يضطر إلى لبس ملابس الإحرام والدخول من غير أن ينوي التحلل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: "بعض الحجاج بعد إحرامه ووصوله إلى نقاط التفتيش يعمد إلى قلع إحرامه, ولبس ثيابه؛ لعدم استخراج تصريح الحج، فإذا تعداهم لبس إحرامه ثم قدم فدية, ما قولكم لهؤلاء؟
فأجاب بقوله: قولنا في هؤلاء: إنهم أخطؤوا من جهة أنهم خدعوا الدولة بمخالفة النظام.
ثانيًا: أنهم عصوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معصيةً ظاهرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يلبس المحرم القميص) وهؤلاء لبسوه، فكأنه يعلن بفعله معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وعجبًا لهؤلاء أن يتخذوا آيات الله لعبًا من أجل حج ليس بواجب عليهم؛ فالحكومة ما منعتهم من الحج، بل نظمت الحج، فكيف يخادعون الحكومة بإظهار أنهم غير محرمين، ويعصون الله ورسوله بلباس القميص؟! إني لأعجب، ولو فتشت ما فتشت لرأيت مثل هؤلاء الذين ابتلوا بمعصية الله ورسوله، ومخادعة الدولة، لو فتشت فيهم لوجدت عندهم تهاونًا كثيرًا في أمور عظيمة أهم من هذا. اهــ.
والمحرم أصلًا لو كان معذورًا في فعل المحظور, فإن الفدية لا تسقط عنه.
قال النووي في المجموع: إذا احتاج إلى ستر رأسه، ولبس المخيط لعذر, كحر, أو برد, أو مداواة، أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه، جاز الستر, ووجبت الفدية؛ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ... اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 120232 عمن لبس المخيط بعد الإحرام ليتجاوز منع السلطات له, وأيضًا الفتوى رقم: 141541.
والله تعالى أعلم.