الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله تعالى كلها حسنى أي: بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ـ وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديرا. اهـ من القواعد المثلى لابن عثيمين.
ولأن أسماء الله تعالى كلها حسنى فكلها تدل على معان، فلو لم تدل كلها على معان لما كانت كلها حسنى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى، بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم والقادر لجاز ذلك عنده. اهـ.
وقد تظاهرت دلائل الشرع والعقل واللغة والفطرة على أن أسماء الله تعالى تدل على أوصاف ومعان، قال ابن القيم: أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظا لا معانى فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال، ولساغ وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس، فيقال اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقم، واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع ونحو ذلك، ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى: وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ـ ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله، كقوله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ـ فعلم أن القوي من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة... وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله، أو سمعه، أو بصره، أو قوته، أو عزته، أو عظمته انعقدت يمينه وكانت مكفرة، لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه، وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها فلا يقال يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها، وأيضا فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به فكانت كلها سواء ولم يكن فرق بين مدلولاتها، وهذا مكابرة صريحة وبهت بين فإن من جعل معنى اسم القدير هو معنى اسم السميع البصير، ومعنى اسم التواب هو معنى اسم المنتقم، ومعنى اسم المعطي هو معنى اسم المانع فقد كابر العقل، واللغة والفطرة فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها. اهـ بتصرف.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يماثله فيها أحد في معنى أي اسم من أسمائه أو في أي صفة من صفاته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما يستحق الرب لنفسه لا يشركه فيه غيره بوجه من الوجوه، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، وأما المخلوق فقد يماثله غيره في صفاته، لكن لا يشركه في غير ما يستحقه منها والأسماء المتواطئة المقولة على هذا وهذا حقيقة في هذا وهذا، فإذا كانت عامة لهما تناولتهما وإن كانت مطلقة لم يمنع تصورهما من اشتراكهما فيها وإن كانت مقيدة اختصت بمحلها، فإذا قال: وجود الله، وذات الله، وعلم الله، وقدرة الله، وسمع الله، وبصر الله، وإرادة الله وكلام الله، ورحمة الله، وغضب الله، واستواء الله، ونزول الله، ومحبة الله، وإرادة الله، ونحو ذلك، كانت هذه الأسماء كلها حقيقة لله تعالى من غير أن يدخل فيها شيء من المخلوقات ومن غير أن يماثله فيها شيء من المخلوقات، وإذا قال: وجود العبد وذاته وماهيته وعلمه وقدرته وسمعه وبصره وكلامه واستواؤه ونزوله: كان هذا حقيقة للعبد مختصة به من غير أن تماثل صفات الله تعالى. اهـ.
وبهذا يتبين لك أن الأسماء التي تدل على معنى مشترك بين الله وبين خلقه لا حرج في إطلاقها على الخلق من غير أن يقتضي ذلك تشبيها للمخلوق بالخالق، ومن ذلك اسم: الملك وغيره، وأما من أطلقه وقصد به مساواة المخلوق بالخالق فلا شك في كفره، وتراجع الفتويان رقم: 132314، ورقم: 146467.
فالواجب إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات لفظا ومعنى من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت ما وردت به الآثار الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلاله، ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى.
وانظر لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 10300، ورقم: 179965، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.