الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارات جاء بعضها عن السلف، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليلهِ إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائهِ إذا النَّاس يضحكون، وبصمتهِ إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون. أخرجه ابن أبي شيبة.
وقال عبد الله بن عمرو: لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى. كذا في تفسير القرطبي.
ومعنى ذلك أن حامل القرآن ينبغي له التحلي بالأخلاق الفاضلة، تعظيما للقرآن، وإجلالا له.
فقد قال النووي رحمه الله: ومن آدابه (حامل القرآن) أن يكون على أكمل الأحوال، وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن. انتهى.
ومن تلك الأخلاق تحليه بقيام الليل وبالإعراض عن اللغو، وعفوه عن المسيء، وحزنه، وخشيته من الله تعالى، وبكائه بسبب تذكر ما فيه من الوعيد.
وقد جاء في السؤال: كلمة كيف يحسد بعلم؟ فإن كان السائل أراد بها السؤال عما جاء في الحديث من الحسد في الاشتغال بالقرآن عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار... رواه البخاري ومسلم.
فلا تعارض بين حديث: لا حسد إلا في اثنتين. وبين ما ورد من ذم الحسد.
فالحسد المنهي عنه هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، كما عرفه أهل العلم، وهذا مذموم، وما ذكر في حديث: لا حسد إلا في اثنتين. يعني الغبطة، وليست من الحسد، وإنما أطلق عليها الحسد مجازا.
قال ابن حجر في فتح الباري: وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فكأنه قال في الحديث: لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين. اهـ.
والله أعلم.