الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت صديقتك تضرك في دينك، أو دنياك: فيجوز هجرها؛ فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 96826، وتوابعها أن الهجران إذا كان بسبب أمر شرعي فلا يلحق صاحبه إثم، وأنه تراعى فيه المصلحة الشرعية، ولا يتقيد مثل هذا الهجر بزمن محدد، وإنما يتقيد بوجود سببه، وبينا في الفتوى رقم: 61571 أن أهل العلم رخصوا في الهجر إذا اقتضى مصلحة، أو دفع مفسدة، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ
وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده, وأبو داود في سننه, عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. فهذا حديث صحيح، وهو محمول على الهجر لغير سبب، قال أبو داود بعد أن روى هذا الحديث، وأحاديث أخر في هذا الباب: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل. انتهى.
وإن كان الأولى أن تُناصحيها، وتُوسطي بعض الفضلاء للإصلاح، وتنبهيها على أخطائها، فإن أصرت فلك هجرها - نسأل الله لكما الصلاح، والتسديد -.
وأما أسباب النفور عن سماع القرآن الكريم: فكثيرة، ولكن أصلها انشغال القلب عن الله بالشهوات المباحة، فضلًا عن المحرمة؛ حتى يحصل الران، بل قد تصل إلى الاشمئزاز من سماع كلام الله؛ قال تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {سورة الزمر:45}؛ قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجلَّ. أخرجه أحمد في الزهد.
ومن ذلك قلة قراءة القرآن؛ فيصاب الإنسان بالفتور بعد فترة يسيرة من قراءته.
ومنها: الإسراع بالقراءة، وإهمال التدبر - وهو المقصود -؛ قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ سورة {ص:29}.
وقد بينا في الفتوى رقم: 156365 أسباب الفتور عن الأعمال الصالحة، كقراءة القرآن، فراجعيها للفائدة.
ونوصيك بقراءة فصل: كتاب آداب تلاوة القرآن من مختصرات الإحياء مثل كتاب: مختصر منهاج القاصدين لأبي العباس المقدسي، وكتاب: تهذيب موعظة المؤمنين للقاسمي.
وأما علامات غضب الله على العبد: فمن مظان ذلك أن يرزقه النعم، ويحرمه شكرها؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * {سورة الأعراف:183،182 }.
قال ابن كثير: يقول تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق، ووجوه المعاش في الدنيا؛ حتى يغتروا بما هم فيه، ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام:44، 45] ؛ ولهذا قال تعالى: {وأملي لهم} أي: وسأملي لهم، أطول لهم ما هم فيه {إن كيدي متين} أي: قوي شديد.
ومقارفة الذنوب من جملة علامات الغضب، وهذا الغضب يتفاوت، فغضب الله على الكافر، لا يستوي مع غضبه على من حلف كاذبًا ... ومع هذا فالغضب يرفع بالتوبة، وإذا تاب العبد أحبه الله؛ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {سورة البقرة: 222}
وقد بينا آثار الذنوب وفضل التوبة منها في الفتوى رقم: 206275، وتوابعها - نعوذ بالله من غضبه، وأليم عقابه -.
والله أعلم.