الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نسب هذا القول بطهارة جلود الميتات كلها بالدباغ ـ عدا الخنزير والكلب ـ لعلي، وابن مسعود جماعة من أهل العلم غير النووي، كالعيني، والحازمي، والشوكاني، والصنعاني.
وأما إسناد ذلك عنهما، فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط في السنن، والإجماع، والاختلاف: حدثنا أبو أحمد، حدثنا يعلى، حدثنا صدقة بن المثنى، عن جده رياح بن الحارث قال: كان ابن مسعود يقري ناسًا من أهل الكوفة في المسجد الأكبر، فدعا لهم بشراب، ثم قال: هذا في سقاء في منيحة كانت لنا، فماتت، قالوا: يا صاحب رسول الله، أتسقينا في الميتة؟ فقال: "ذكاتها دباغها".
حدثنا أبو أحمد، حدثنا جعفر، أنبأ مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن علي، قال: «ذكاة الجلود دباغها». اهـ.
فروى الأثرين تباعًا، وأثر علي - رضي الله عنه - لم نجده مسندًا عند غير ابن المنذر، وراويه عن مجاهد (مسلم) لم نعثر على ترجمته!
وأما أثر ابن مسعود فرواه الطبراني في (المعجم الكبير)، وابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار)، وابن أبي شيبة في المصنف، من ثلاثة أوجه أخرى عن صدقة بن المثنى، به. ورجاله كلهم ثقات من رجال التهذيب.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد في باب التوضؤ من جلود الميتة، والانتفاع بها إذا دبغت: وعن ابن مسعود، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة، فقال: " ما ضر أهل هذه لو انتفعوا بإهابها». رواه الطبراني في الكبير، وفيه حماد بن سعيد البراء، ضعفه البخاري، وروى الطبراني نحوه عن ابن مسعود موقوفًا، ورجاله ثقات اهـ. يعني بذلك الأثر السابق عن ابن مسعود.
وهناك الكثير من المرويات المرفوعة والموقوفة تجدها في المجمع، وفي الأوسط، وفي تهذيب الآثار، وفي مصنف عبد الرزاق في باب: جلود الميتة إذا دبغت، وفي مصنف ابن أبي شيبة في باب: الفراء من جلود الميتة إذا دبغت.
وليعلم السائل أن الراجح عندنا من أقوال أهل العلم هو القول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ، ولا شك أن في ذلك سعة ومخرجًا من الحرج، وراجع لمزيد من الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 211252، 48329، 172.
والله أعلم.