الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عندنا اطلاع تام على حقيقة تلك المرأة، وحقيقة تنبؤاتها، وما يمكننا ذكره هنا هو: أن التنبؤ بالأحداث المستقبلة إن كان مبنيًا على قراءة للواقع والأحداث، كتوقع انخفاض سلعة ما -مثلًا- نتيجة لحدث ما فلا بأس، فمن الممكن أن يغلب على ظن أحد من الناس أن يحصل كذا نتيجة لما حصل من الأحداث سابقًا، ولا يعتبر ذلك من ادعاء الغيب، ولا يحرم متابعته، ولا الاطلاع عليه.
وأما ما كان من قبل التنجيم والكهانة: فإنه لا يجوز للمسلم متابعة ولا سؤال المنجمين والعرافين، ولا تصديقهم في ما يقولون؛ وتجب التوبة على من حصل منه شيء من ذلك، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110}، وقال: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39}، ويدل لتحريم إتيان المنجمين وسؤالهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد.
وفي حديث أحمد، والترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. ورواه أبو داود بلفظ: فقد برئ مما أنزل على محمد. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
و قال الإمام النووي في شرح مسلم: الكهانة في العرب ثلاثة أضراب:
أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض، وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام.
الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيهم أغلب، ومن هذا الفن العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها .. وهذه الأضراب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع، ونهى عن تصديقهم، وإتيانهم. اهـ.
والله أعلم.