الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم على الزوجين إفشاء ما يجري بين الرجل وامرأته من أمور الاستمتاع، كما بينا في الفتوى رقم: 27761.
وأما منع إفشاء جميع ما بينهما من علاقات: ففيه نظر؛ فقد قسم الفقهاء الأسرار إلى أقسام:
جاء في الموسوعة الفقهية: يتنوع السر إلى ثلاثة أنواع:
أ - ما أمر الشرع بكتمانه.
ب - ما طلب صاحبه كتمانه.
ج - ما من شأنه الكتمان، واطلع عليه بسبب الخلطة، أو المهنة.
النوع الأول: ما أمر الشرع بكتمانه: من الأمور ما يحظر الشرع إفشاءه لمصلحة دينية أو دنيوية، حسب ما يترتب على إفشائه من ضرر؛ فمما لا يجوز إفشاؤه: ما يجري بين الزوجين حال الوقاع، فإن إفشاء ما يقع بين الرجل وزوجته حال الجماع، أو ما يتصل بذلك حرام منهي عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها. والمراد من نشر السر، ذكر ما يقع بين الرجل وامرأته من أمور الوقاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة من قول، أو فعل، ونحو ذلك.
أما مجرد ذكر الوقاع - الجماع - فإذا لم يكن لحاجة، فذكره مكروه؛ لأنه ينافي المروءة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، فإن دعت إلى ذكره حاجة، وترتبت عليه فائدة فهو مباح، كما لو ادعت الزوجة على زوجها أنه عنين، أو معرض عنها، أو تدعي عليه العجز، فإن لم يكن ما ادعته صحيحًا فلا كراهة في الذكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل. رواه مسلم. وقال لأبي طلحة: أعرستم الليلة؟ متفق عليه. والمرأة كالرجل في عدم جواز إفشاء ما يجري من الرجال حال الوقاع.
النوع الثاني: ما طلب صاحبه كتمانه: - ما استكتمك إياه الغير وائتمنك عليه، فلا يجوز بثه وإفشاؤه للغير؛ حتى أخص أصدقاء صاحب السر، فلا يكشف شيئًا منه، ولو بعد القطيعة بين من أسر ومن أسر إليه، فإن ذلك من لؤم الطبع، وخبث الباطن، وهذا إذا التزمت بالكتمان، أما إذا لم تلتزم، فلا يجب الكتمان، ويدل لذلك حديث زينب امرأة ابن مسعود، ونصه: عن زينب امرأة عبد الله قالت: كنت في المسجد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تصدقن ولو من حليكن، وكانت زينب تنفق على عبد الله، وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، قال: نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. متفق عليه.
قال القرطبي - فيما نقله ابن حجر في فتح الباري -: "ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتمتاه بإذاعة سر، ولا كشف أمانة؛ لوجهين: (أحدهما) أنهما لم تلزماه بذلك، وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى كتمانهما.
(ثانيهما) أنه أخبر بذلك جوابًا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه به من الكتمان، وهذا كله بناء على أنه التزم لهما بذلك، ويحتمل أن تكونا سألتاه - أي ولم يلتزم لهما بالكتمان - ولا يجب إسعاف كل سائل. انتهى من الموسوعة الفقهية.
والظاهر أن الإخبار بتأخر الحيض، ونحوه من النوع المرخص فيه، فليس هو بأكثر من عبارة: إني لأفعل هذا أنا وهذه.
ولو فرضنا أنه من النوع الثاني، وهو لم يلتزم لك بكتمانه، فلا يلزمه، كما سبق.
وقد جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - ما يدل على التساهل في هذا، ففي الصحيحين عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن صفية بنت حيي قد حاضت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن)، فقالوا: بلى، قال: (فاخرجي). مع أنه كان يمكنها أن تقول فحاضت امرأة منا، أو نحو ذلك، فكأنها لم تعتبر ذلك خصوصية ذات بال.
فالأمر سهل - إن شاء الله -، وإذا كان الزوج في الجملة يحفظ الخصوصيات، فلا تُشددي عليه في مثل ذلك؛ حتى لا يصير بينه وبين أهله جفاء، ويمكنك أن توضحي له ما قد يترتب على كلامه من الأسئلة اللاحقة، وطلب التفاصيل، وأنك لا ترغبين في ذلك، وأن الأسلم هو الإجمال، وإغلاق الباب، وفي هذا راحة بال الأم، وعدم تعلقها بكل ما يستجد.
والله أعلم.