الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يزيدك هدى ونورا، ومن المهم للمسلم أن يتجافى عن الإكثار من الشكوى إلى الخلق فيما يتعلق بحاله مع ربه، فإن العلاج معروف لا يجهله أحد وهو: تقوى الله وامتثال أوامره، والبعد عما يسخط الله، وجميع النصائح التي يمكن أن تتلقاها لن تخرج عن هذا المعنى، واعلم أن من تطلب منه التوجيه والنصح هو مجرد مذكِّر ولا يملك حلا خارقا، والهداية بيد الله وحده، فمن هداه، فلا مضل له، ومن أضله فلا هداية له، فعلى المسلم أن يضرع إلى الله بالمسألة والدعاء أن يمن عليه بالهداية والإيمان، وأن يجعل شكواه إلى الله عز وجل، فهو الهادي وحده سبحانه، وإذا وجد الشخص تغيرا في قلبه وحاله مع الله فليجأ إلى التوبة والاستغفار، فإن العبد لا يُحرم خيرا إلا بذنبه وتقصيره، قال ابن تيمية: والاستغفار من أكبر الحسنات، وبابه واسع، فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تقلب قلب، فعليه بالتوحيد والاستغفار، ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص. اهـ.
والمؤمن يسيء الظن بنفسه ويخشى على نفسه أدواء القلوب من النفاق والرياء والعجب ونحوها، لكن لا يصل ذلك بالمؤمن إلى القنوط وترك العمل، بل المقصود من ذلك أن يحاسب نفسه وأن يعمل على إصلاحها، وأن يزداد قربا إلى الله يوما بعد يوم، ولا ريب في أن العين حق، كما في حديث الصحيحين، لكن لا ينبغي أن يحيل الشخص كل مكروه يصيبه إلى العين والحسد، والذي ينبغي أن يحصن المسلم نفسه بالأذكار وإصلاح قلبه والتوكل على الله، ويدرأ بذلك شرور الأنفس الخبيثة عنه، وقولك: وأريد أن اُقوم الليل كاملاً يومًيا ـ فزادك الله حرصا على الخير، لكن قد ذهب كثير من أهل العلم إلى كراهة قيام الليل كله، كما بيناه في الفتوى رقم: 203404.
وقولك: وكلما دعوت الله أن يصلح حالي أشعر بإن الإجابة تتأخر وهذا يضيق صدري، لأن الله هو الذي يشفيني في غمضة عين وأنا مسلم لهذا ولست معترضا، ولكنني في أمس الحاجة إلى الإجابة من غير تأخير ـ فاعلم أن الاستعجال الذي يؤدي لترك الدعاء والتقصير فيه منهي عنه، وقد يكون من أسباب منع الإجابة، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. أخرجه مسلم.
ومن حيل بينه وبين إجابة دعائه فليتفقد حاله، فرب ذنب أغلق عن صاحبه أبواب الإجابة، قال ابن القيم: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة، لم يحصل الأثر. اهـ.
وعلى المسلم أن يكون حسن الظن بربه عز وجل في دعائه، قال ابن القيم: ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة وتضرع إليه وسأله، واستعان به وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظن به ظن السوء، وظن به خلاف ما هو أهله. اهـ.
والله أعلم.