الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
ومعاذ الله أن يكون في نصوص الوحي ما يقتضي تشبيهاً أو تمثيلاً، فإن الله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11].
ولو كان في شيء من النصوص ما يقتضي ذلك، لما كانت دالة على الهدى، داعية إلى الرشد.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، ولفظ مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته.
وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه لا يستلزم تشبيهاً ولا تمثيلاً، وممن بين هذا ووضحه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث قال: الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث - وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل.
والمعنى عند أهل العلم: أن الله خلق آدم سميعاً بصيراً متكلماً، إذا شاء، وهذا هو وصف الله تعالى، فإنه سميعٌ بصيرٌ متكلمٌ إذا شاء، وله وجه جلّ وعلا.
وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي له غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعاً بصيراً، ذا وجه ويد، وذا قدم، ولكن ليس السمع كالسمع، وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله جلّ وعلا صفاته التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]. وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]. انتهى.
فهذا التعبير: على صورته، لا يقتضي مماثلة الصورة للصورة، ولا الصفة للصفة، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء. متفق عليه، ومعلوم أن هذه الزمرة ليست مماثلة للقمر.
والله أعلم.