الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للزوج أن يمنَّ على زوجته بما أنفقه عليها، سواء في ذلك النفقات الواجبة أم المستحبة.
قال القرطبي في تفسيره: المنّ ذكر النعمة على معنى التعديد لها، والتقريع بها مثل أن يقول: قد أحسنت إليك، ونعشتك وشبهه، وقال بعضهم: المنّ التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه، والمنّ من الكبائر، ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. وروى النسائي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة تتشبه بالرجال، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى ـ وفي بعض طرق مسلم: المنان هو الذي لا يعطي شيئا إلا منة. اهـ.
لكن من عومل بالإساءة فلا يحرم عليه المنّ حينئذ.
قال ابن حزم في المحلى: ولا يحل لأحد أن يمنّ بما فعل من خير إلا من كثر إحسانه وعومل بالمساءة، فله أن يعدد حسناته. اهـ.
راجعي الفتوى رقم: 66207 .
وأما بخصوص لفظة: ( رب نعمتك ) فإن كان المقصود بالنعمة النفقة ونحوها، فلا يظهر أنها منهي عنها من حيث هي، فالرب في لسان العرب بمعنى المالك والمصلح.
جاء في مقاييس اللغة: الراء والباء يدل على أصول. فالأول إصلاح الشيء والقيام عليه. فالرب: المالك، والخالق، والصاحب. والرب: المصلح للشيء. يقال رب فلان ضيعته، إذا قام على إصلاحها. والرب: المصلح للشيء. والله جل ثناؤه الرب; لأنه مصلح أحوال خلقه. اهـ. باختصار.
وأما ما جاء في الصحيحين مرفوعا: لا يقل أحدكم اسق ربك، أطعم ربك، وضئ ربك، ولا يقل أحدكم ربي، وليقل سيدي مولاي ... الحديث. فالظاهر أن المراد به إضافة الرب إلى ابن آدم.
جاء في شرح مسلم للنووي: قال العلماء: مقصود الأحاديث شيئان: أحدهما: نهي المملوك أن يقول لسيده ربي؛ لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى؛ لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء، ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى.
فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: أن تلد الأمة ربتها أو ربها. فالجواب من وجهين:
أحدهما أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب، وكراهة التنزيه لا للتحريم.
والثاني أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة، واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال، واختار القاضي هذا الجواب. اهـ.
والله أعلم.