الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن القائلين بالعفو عن يسير النجاسة مطلقا لم يستدلوا بما ذكرت، وإنما يستدلون بمشقة الاحتراز ونحو ذلك، وأما بول النبي صلوات الله عليه وسلامه عند سباطة قوم قائما فقد كان بحيث يأمن إصابة النجاسة قطعا، قال الخطابي في معالم السنن: السباطة مُلقى التراب والقِمام ونحوه تكون بفناء الدار مرفقا للقوم ويكون ذلك في الأغلب سهلاً منثالاً يخد فيه البول فلا يرتد على البائل، وأما أثر الاستجمار الباقي في المحل فقد اختلفوا هل هو نجس معفو عنه أم هو طاهر؟ قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن أثر الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ، يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ طَاهِرٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ رَزِينٍ. انتهى.
وحيث قيل هو نجس معفو عنه، فإن دليل التفريق بين أثر الاستجمار في المحل وغيره واضح، وذلك أن الشارع أمر بإزالة النجاسة فصار هذا شرعا عاما للأمة فلا يخص منه إلا ما استثناه الدليل، فإذا أتت الرخصة في أثر الاستجمار خصصناه من العموم، وبقي ما عداه على الأصل وهو وجوب إزالته، والمعنى يقتضي التسهيل في محل الاستجمار لتكرره، ولذا اعتبر أكثرهم العفو عنه في محله، أما إذا تعدى إلى الثوب أو غيره فهو نجس غير معفو عنه، قال في كشاف القناع: وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى محله إلى الثوب أو البدن لم يعف عنه. انتهى.
وتفصيل القول فيما يعفى عنه من النجاسات ينظر في الفتوى رقم: 134899.
وأما الريح: فإنها طاهرة، فلا وجه لما استشكلته أصلا وأردت قياس الريح عليه، لأنها كما مر طاهرة غير نجسة، جاء في الموسوعة الفقهية: ولو خرج منه ريح ومقعدته مبلولة فالصحيح طهارة الريح الخارجة فلا تنجس الثياب المبتلة.
وأما إن أردت عدم انتقاض الوضوء بخروج يسير الريح: فهو قول باطل منكر لم يقل به أحد من أهل العلم، بل الواجب الوضوء من الريح قلَّ خروجها أو كثر، فإن خروجها من نواقض الوضوء بالنص والإجماع.
والله أعلم.