الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على مشاعرك المرهفة نحو اليتامى والمنكوبين، ونبشرك بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، والبر من أحسن العمل، وقد قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92}.
ولا داعي للحيرة ولا للحزن، فأما الحيرة: فتدفع بمعرفة الحق فيما وقع واتباعه، وهو ما سنبينه ـ إن شاء الله ـ وأما الحزن: فإن كنت قد تنازلت عن قطعتي الذهب لأختيك فحزنت لفوات أجر الصدقة بهما على اليتامى: فقد نلت الأجرين ـ إن شاء الله ـ أجر الصلة للرحم بالفعل وأجر الصدقة على اليتامى بالنية، لأنك لولا برك بأمك وحياؤك منها ما تنازلت عنهما لأختيك، وإن كنت لم تتنازلي فباب الصدقة على اليتامى مفتوح وأنت أحق بمالك من أختيك كما سيتضح في الجواب، وإن كان حزنك لسوء تصرف الوالدة فلعلها معذورة لجهلها بحكم المسألة، وإن أخطأت فإن خطأها لا يقارن بفضلها عليك، كما لا يبرره، وانظري عظيم الأجر في الصبر على الوالدة وبرها الفتوى رقم: 108378.
أما ما يختص بالوالدة: فهي آثمة لأمور ثلاثة هي:
1ـ تأخيرها في إخراج القطع الذهبية لمستحقيها ما لم تكن معذورة في ذلك.
2ـ إعطاؤها قيمة القطع الذهبية الصغيرة للمحتاجين إن لم يكونوا يتامى صغارا.
3ـ إعطاؤها القطع الذهبية الكبيرة لأختيك بغير إذنك، بل مع علمها بعدم رضاك ـ كما ذكرت في السؤال ـ وذلك أن القطع الذهبية في يدها أمانة، لأنها وكيلة في إقباضها لليتامى، والوكيل أمين ولا يحل له التصرف بمال موكله إلا بإذنه، ولو كان الوكيل أماً للموكل.
ولا يمكن تصحيح تصرف الوالدة على قول الحنابلة بجواز أخذ الأصل من فرعه لغير حاجة بغير إذن، لاشتراطهم الأبوة وليس الأمومة، ولاشتراطهم عدم إعطاء الأب المال للأخت، قال الحجاوي في الإقناع: ولأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء مع حاجة الأب وعدمها في صغره وكبره وسخطه ورضاه وبعلمه وبغيره دون أم وجد وغيرهما بشروط: أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد، لئلا يضره فليس له أن يتملك سريته وإن لم تكن أم ولد، لأنها ملحقة بالزوجات، ولا ما تعلقت حاجته به. الثاني: ألا يعطيه لولد آخر.
وبناء عليه، فالواجب على أمك وأختيك رد القطعتين الذهبيتين إليك ما لم تتنازلي عنهما وترضي بهما هدية لهما، اعتبارا بتصرفات الفضولي فإنها ممضاة بالإجازة عند الجمهور.
ولا شك أن شعورك بالاستغلال شعور صحيح، وسكوتك مع أمك احتراما لمقامها من الأدب والبر، لكن بر الوالدة لا يحل لها الاغتصاب من ابنتها لغير داع، ولا يعد سكوتك رضا بفعل أمك لأن الساكت لا ينسب إليه قول، بل الرضا الصريح بسيف الحياء ضرب من الإكراه الملجئ، كما قررناه في الفتاوى التالية أرقامها: 107940، 115592، 131511، 128880. فكيف بالسكوت؟ وفي خصوص ما ذكرته من خشية المن والأذى.. فإن طلبك من أختيك عدم التزين بالقطعتين لا يعتبر مناً إلا بشرطين:
الأول: أن تكوني قد تنازلت فعلا لهما عن القطعتين الذهبيتين وأقررت أمك على إهدائهما نيابة عنك.
والثاني: أن تقصدي بطلبك الإدلال بفضلك عليهما لا حثهما على الصدقة بهما للمحرومين.
وبخصوص ما ذكرته من إرسال الهدايا إلى أهلك دون علم زوجك، فإن كان من ماله هو فلا بد من استئذانه. وراجعي لمزيد الفائدة عن المن فتوانا رقم: 129753. وانظري أيضا في فضل الصبر على أذى المحارم ولزوم وصلهم وإن أساؤوا الفتاوى التالية أرقامها: 69295، 57459، 68088.
والله أعلم.