الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسورة البقرة سورة طويلة، ولم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة لسبب واحد، وإنما نزلت متفرقة، بعضها له سبب معين، وبعضها ليس له سبب معين، فلا يصح أن يقال: نزلت سورة البقرة لسبب كذا أو كذا، بل لا بد من تحديد ما كان له سبب معين، كآية: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، فهذه الآية نزلت بسبب خطأ وقع فيه عبد الله بن جحش وأصحابه، حينما بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخلة، وهو موضع بين مكة والطائف، يتحسسون له أخبار قريش، ولم يأمرهم بقتال، إلا أنهم لما نزلوا نخلة، مرّت بهم عير لقريش، تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارة، وفيها عمرو بن الحضرمي، ومعه ثلاثة نفر، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين، وفر الرابع، واستاقوا الأسيرين والعير؛ حتى قدموا المدينة، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنكر عليهم قائلًا: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، وأوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا، ومع هذا بعث المشركون يعيّرون المسلمين بما صنعوا، فأنزل الله هذه الآية: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ...
وفيها بيان أن ما فعله المشركون من الصد عن سبيل الله، والكفر بالله، وصد الناس عن المسجد الحرام، وإخراج أهله المؤمنين منه، أعظم من هذا الخطأ الذي وقع من بعض الصحابة؛ باجتهاد منهم.
والله أعلم.