الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: وَمَا أَعْجَبَ مَا أَجَابَ به أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِي وغيره، عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ شُعَبِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ: أَنَّ الراوي قَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ـ فَقَدْ شَهِدَ الراوي بِغَفْلَة نَفْسِه حَيْثُ شَكَّ فَقَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ـ وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الشَّكُّ في ذَلِكَ! وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ!! فَطَعَنَ فيه بِغَفْلَة الراوي وَمُخَالَفَتِه الْكِتَابَ، فَانْظُرْ إلى هَذَا الطَّعْنِ مَا أَعْجَبَه! فَإِنَّ تَرَدُّدَ الراوي بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَلْزَمُ منه عَدَمُ ضَبْطِه، مَعَ أَنَّ البخاري ـ رحمه الله ـ إِنَّمَا رواه: بِضْعٌ وَسِتُّونَ ـ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. انتهى.
فليس الأمر كذباً، وإنما شك من الراوي صرح به، ولم يضر بالمعنى، قال ابن رجب في الفتح: وأما الاختلاف في لفظ الحديث: فالأظهر أنه من الرواة، كما جاء التصريح في بعضه بأنه شك من سهيل بن أبي صالح، وزعم بعض الناس أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يذكر هذا العدد بحسب ما ينزل من خصال الإيمان، فكلما نزلت خصلة منها ضمها إلى ما تقدم وزادها عليها، وفي ذلك نظر.
وقد حاول البعض الجمع أو الترجيح، قال النووي في شرح مسلم: وذكر أبو حاتم ـ رحمه الله ـ جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه وذكر أن رواية من روى: بضع وستون شعبة ـ أيضا صحيحة، فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه، وله نظائر أوردها في كتابه، منها في أحاديث الإيمان والإسلام، والله تعالى أعلم.
وقال ابن حجر في الفتح: ورجح البيهقي رواية البخاري، لأن سليمان لم يشك، وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه، فتردد أيضا، لكن يرجح بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه.
وراجع كلام ابن حجر في شأن الشعب في الفتوى رقم: 34585.
والخلاصة أن هذا اضطراب لا يطعن على أصل الحديث الدال على أن العمل من الإيمان، وأنه شعب، وأجزاء، قال العثيمين في مصطلح الحديث: والمضطرب ضعيف لا يحتج به، لأن اضطرابه يدل على عدم ضبط رواته، إلا إذا كان الاضطراب لا يرجع إلى أصل الحديث، فإنه لا يضر، وحديثنا أورده البخاري في باب أمور الإيمان، وهذا الجزء يتأتى الاستدلال عليه، ولا يضره الاضطراب.
وأما عن عدد شعب: فقد قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرح صحيح مسلم: وقال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء: تتبعت معنى هذا الحديث مدة، وعددت الطاعات، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد، فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن.
والله أعلم.