الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى في عدة أحاديث بأهل بيته، وبالاقتداء بعلمائهم، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال : وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.. الحديث.
وكذا ما رواه الترمذي، وصححه الألباني، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم.
وأما غير العلماء المتمسكين بالشرع: فلا نقتدي بهم إذا عصوا أو خالفوا، ولكن ذلك لا ينفي نسبهم، ولا مراعاتنا لقرابتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من غير غلو، فقد نص أهل العلم على أن من عقيدة أهل السنة والجماعة محبة أهل البيت وتعظيمهم من غير غلو، وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي.
وروي عنه أيضًا أنه قال: ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ـ أي: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم، ولا تسيؤوا إليهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم: أذكركم الله في أهل بيتي ـ وقال أيضًا للعباس عمه، وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ـ وقال: إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. اهـ.
وقد نبه أهل العلم على أن المراد بالتمسك بالعترة هو الاقتداء والاهتداء بهدي علماء آل البيت، وأما من لم يكن عالمًا ملتزمًا بالشرع فلا يقتدى به، قال القرطبي: وهذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله، وإبرازهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها... قال الحكيم: والمراد بعترته هنا: العلماء العاملون، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل، وعالم مخلط، فأجنبي من هذا المقام، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، فإن كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنًا ما كان. انتهى.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 78390.
وأما مجرد الانتساب للآل أو للأشراف: فلا يعد فخرًا مذمومًا ما لم يقترن بما يدل على الفخر بالنسب، وراجع الفتوى رقم: 28057.
وأما حديث الكساء: فهو حديث ثابت، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة، وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا.
وأخرج الترمذي، والحاكم، وصححاه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: في بيتي نزلت: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ـ وفي البيت فاطمة، وعلي، والحسن والحسين، فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
وجاء في بعض الروايات: أنه عليه الصلاة والسلام أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا ثلاث مرات.
وأما آية هود: فالمراد بها سارة ـ أم إسحاق عليه السلام ـ وقد استدل به بعض أهل العلم على دخول سارة في آل بيت إبراهيم، ودخول أمهات المؤمنين في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال الجصاص: قوله تعالى: أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت يدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته؛ لأن الملائكة قد سمت امرأة إبراهيم من أهل بيته, وكذلك قال الله تعالى في مخاطبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا ـ إلى قوله: وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ـ قد دخل فيه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم; لأن ابتداء الخطاب لهن. اهـ.
وراجع في دخول الأمهات في آل البيت الفتوى رقم: 108816.
والله أعلم.