الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي ـ رحمك الله ـ أن مجالسة الوالد الملازم للفراش ومؤانسته وملاطفته والقيام على خدمته وإدخال السرور إليه من صور البر والإحسان بالوالدين، وبر الوالد أوسط أبواب الجنة، فلا تفرطي في هذا الأجر العظيم، فإذا خلا التلفاز من المنكرات وأمر الوالد ابنته بمجالسته لزمها طاعته إذا توفرت الشروط المقررة لوجوب طاعته والمذكورة في الفتوى رقم:247189.
وحرم عليها عصيانه، وحرم الاحتيال على عصيانه بالكذب عليه، وعزاؤها في ترك مجلس الذكر المستحب أن من اشتغل بالواجب عن المستحب كان أجره عند الله أعظم، لأن الواجب أحب إليه جل وعلا، ويؤكد ذلك ما نقله النووي في شأن حديث قصة جريج قال: قَال الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ إِجَابَتهَا، لأِنَّهُ كَانَ فِي صَلاَةِ نَفْلٍ، وَالاِسْتِمْرَارُ فِيهَا تَطَوُّعٌ لاَ وَاجِبٌ، وَإِجَابَةُ الأْمِّ وَبِرُّهَا وَاجِبٌ، وَعُقُوقُهَا حَرَامٌ. اهـ.
والحلّ عندئذ في تذكير الوالد ومناصحته وتحبيبه في الذكر والمستحبات بالأسلوب والوقت المناسبين ومداومة الدعاء له بالقوة على الطاعة والتمسك بالسنن والمستحبات، وهذا من تمام بره والإحسان إليه، أما إذا كان في التلفاز منكر فلا طاعة في معصية الله، ويكون بر الوالد عندئذ بمناصحته والإنكار عليه بضوابط الاحتساب على الوالدين المقررة في الفتويين رقم: 224710، ورقم: 18216.
وإذا لم تجد البنت مندوحة بالتورية والمعاريض جاز لها الكذب إذا تعيّن سبيلا للبعد عن المعصية، قال الإمام النووي في كتاب الأمور المنهي عنها من رياض الصالحين: الكلام وسيلةٌ إِلَى المقاصدِ، فَكُلُّ مَقْصُودٍ محْمُودٍ يُمْكِن تحْصيلُهُ بغَيْر الْكَذِبِ يَحْرُمُ الْكذِبُ فِيهِ، وإنْ لَمْ يُمكِنْ تَحْصِيلُهُ إلاَّ بالكذبِ جازَ الْكذِبُ... والأحْوطُ في هَذَا كُلِّه أنْ يُوَرِّي، ومعْنَى التَّوْرِيةِ: أنْ يقْصِد بِعبارَتِه مَقْصُوداً صَحيحاً ليْسَ هُوَ كاذِباً بالنِّسّبةِ إلَيْهِ، وإنْ كانَ كاذِباً في ظاهِرِ اللًّفظِ، وبِالنِّسْبةِ إِلَى مَا يفهَمهُ المُخَاطَبُ ولَوْ تَركَ التَّوْرِيةَ وَأطْلَق عِبارةَ الكذِبِ، فليْس بِحرَامٍ في هَذَا الحَالِ، واسْتَدلَّ الْعُلَماءُ بجَوازِ الكَذِب في هَذَا الحَال بحدِيث أمِّ كُلْثومٍ ـ رَضِيَ اللَّه عنْهَا ـ أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللْه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: لَيْس الكَذَّابُ الَّذي يُصلحُ بيْنَ النَّاسِ، فينمِي خَيْراً أَوْ يقولُ خَيْراً ـ متفقٌ عَلَيهِ. اهـ.
وللمزيد في التورية تنظر الفتوى رقم: 58927.
والله أعلم.