الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن حسن الخلق من أمارات كمال الإيمان، كما في الحديث الذي ذكرت، وهو من أسباب رفعة درجات العباد في الجنة، كما في سنن أبي داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
كما أن سوء الخلق علامة على نقص إيمان صاحبه، وإن فعل ما فعل من الطاعات، بل إنه بسوء خلقه قد يدخل النار؛ فعن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله تعالى من سوء الأخلاق.
قال المناوي في فيض القدير: لأن صاحب سوء الخلق لا يفر من ذنب إلا وقع في آخر، والأخلاق السيئة من السموم القاتلة، والمهلكات الرائعة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المخرطة لصاحبها في سلك الشيطان الرجيم اللعين، وهي الأبواب المفتحة من القلب إلى نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فحق لها أن يستعاذ منها. انتهى.
فمثل هذا الصاحب يشرع لك حبه بقدر إيمانه وطاعته، لكن كذلك تبغضه بقدر معصيته وسوء خلقه، وإيذائه لك ولغيرك.
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك، واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك، وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه.
وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة. انتهـى.
ولا يجب أن تحب جميع إخوانك المسلمين بنفس المقدار، ولا أن يكون أقواهم إيمانًا أحب إليك من غيره، ولا أن تحب سيئ الخلق بمقدار حبك لحسن الخلق، بل يشرع أن يكون حبك لهم متفاوتًا؛ ومما يدل لهذا أن النبي صلى كان يحب عائشة - رضي الله عنها - أكثر من حبه لأبي بكر - رضي الله عنه - وهو أقوى إيمانًا منها، وأفضل عند الله تعالى.
والله أعلم.