الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت جدتك على الحال الذي ذكرت، فهي امرأة سوء، قد أتت بجملة من المنكرات، ومنها قسوتها في التعامل معك، وإعطاؤها إياك ماء الكهانة لتغتسل به.
ومجرد بغض هذه التصرفات التي تصدر عنها، لا حرج فيه، ولا يعتبر عقوقًا، إن لم يصحب ذلك أي نوع من الإساءة إليها.
والبر بالأجداد مطلوب، فقد قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة، وسائر القرابات. اهـ.
وقد نص ابن حزم في كتابه: مراتب الإجماع على اتفاق أهل العلم على فرضية بر الجد، فقال: «وَاتَّفَقُوا أَن بر الْوَالِدين فرض وَاتَّفَقُوا أَن بر الْجد فرض» انتهى.
ومن أدب التعامل معهم حال إتيانهم بالمعاصي ما قاله ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: إذا رأى منكرًا من والديه يأمرهما مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء، والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما. اهـ.
فالمطلوب الصبر عليها، والدعاء لها بالهداية، وسلوك سبيل الرشد والصواب، ولا يجوز لك سبها وإن سبتك، ولا يجوز لك التفكير في الانتقام منها فضلًا عن أن تقدم عليه، فحق الوالد في البر والإحسان لا يسقط بإساءته، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 3459.
وإذا اتقيت الله، وصبرت على أذاها لم يضع ذلك سدى؛ لأنك بالتقوى والصبر تدخل في زمرة المحسنين، كما قال الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}.
والمحسنون سعيهم مشكور، وأجرهم محفوظ؛ قال سبحانه: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {هود:115}.
ونوصيك بالتسلي عن ذلك كله بالانشغال بما ينفعك من أمر معاشك ومعادك، فتحضر مجالس العلم، وتحرص على عمل الصالحات، وتصحب الأخيار، وتتعاون معهم على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير والصلاح؛ قال الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {آل عمران:110}.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال عن هذه الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. اهـ.
والله أعلم.