الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي نعرفه من حال كثير من المسلمين، أنهم يتحاشون مثل هذه الأحاديث الثابتة في السنة، لا لشيء تأصيلي، أو علمي بحت، كهذا المثال الذي ذكره السائل في مسألة تأبير النخل، وإنما كما عبر السائل: (لعلنا نكف عن ديننا شر الجهلة العلمانيين)!
والحقيقة أن مثل هذا المسلك ليس برشيد، ومع ما فيه من إضاعة لجانب من السنة، فإنه لا يفي بالغرض، فلن يكف العلمانيون عن الطعن، ويكفي في هذا المثال أن يقولوا: انظروا إلى عقل نبيكم، وتدبيره لأمر صحتكم، وذوقه واختياره لكم؟! ونحو هذا الكلام الذي لا يخلو من طعن، إن لم يكن في الوحي والدين، ففي العقل والذوق! هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإننا إن سلمنا جدلًا بأن السائل قد اطلع على أقوال كثير من العلماء حول سمية، وضرر أبوال الإبل! فإن هذه الأقوال هي الأولى بالبحث، والنظر، والمراجعة لمعرفة قيمتها العلمية!
فإن الذي ثبت عندنا هو العكس، فإن الذين يهتمون بضبط الكلام في باب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وبيان مرتكزاته، والبعد عن الغلو فيه، ذكروا لذلك أمثلة علمية مستوفية لهذه الضوابط، فكان منها: التداوي بأبوال الإبل، ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور عبد الله المصلح في رسالته: (قواعد تناول الإعجاز العلمي، والطبي في السنة وضوابطه) فقال في آخرها: والآن وبعد أن اكتملت الصورة في أذهاننا حول مرجعية الإعجاز العلمي ومرتكزاته، وضوابطه على نحو عام، والطبي على وجه الخصوص، نعود إلى رياض هذا الإعجاز لنستجلي نماذج أخرى منه في آفاق الكون الرحيب علويه، وسفليه، بل وفي ذات النفس الإنسانية التي تجعل المتعاملين من العلماء المنصفين أمثالكم يزدادون تيقنًا، وخشوعًا لله لدى وقوفهم على تطابق الخبر عنها، مع حقيقة الأثر لدى رؤيتها.
المثال الخامس: (عجائب وأسرار العلاج بأبوال الإبل): يعد البول من المواد الإخراجية الهامة، والتي يتخلص منها الإنسان، والحيوان؛ ولأهمية البول فقد ورد ذكره في الإسلام من وجهين مختلفين: أحدهما يمثل الضرر، والآخر يمثل النفع، وهذا مما يظهر اهتمام الإسلام بدقائق الأمور التي تهم الفرد المسلم؛ ليجدها نصب عينيه، واضحة، جلية في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.
لذا فإننا سنقف بين هذين الأمرين حين يدعو أحدهما إلى الوقاية منه، والآخر إلى العلاج به.
فالطب الوقائي يعني حفظ صحة الفرد، وذلك باتباع كل ما يعود عليه بالصحة والنشاط، والابتعاد عن كل شيء يعود عليه بالضرر؛ لذا يظهر أهمية هذا الأمر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
أما الطب العلاجي، فإنه يتسم بالتقنيات المختلفة التي يستخدمها الإنسان لإزالة المسبب المرضي، الذي يخرج الإنسان من الاتزان الطبيعي -الذي يتمتع به أثناء صحته -إلى مرض قد يكون سببًا يؤدي به إلى الوفاة؛ لذا نجد أن البول الذي يعد من المواد الإخراجية التي يتخلص منها الإنسان، أو الحيوان قد يكون بعضه علاجًا، وبعضه ممرضًا.
من هنا يظهر لنا صورة الإعجاز العلاجي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الإمام البخاري، عن أنس -رضي الله عنه-: أن رهطًا من عرينة، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا اجتوينا المدينة، فعظمت بطوننا، وارتهشت أعضادنا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها، وأبوالها حتى صلحت بطونهم، وألوانهم.
وقد وردت أحاديث حول الأبوال الممرضة: منها نهيه عن البول في الماء الراكد، وحديث الاستبراء من البول، وغيرهما.
ومن خلال تلك الأحاديث يتبين لنا الفرق بين بول الإنسان الذي يسبب الكثير من الأمراض، وبول الإبل الذي أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بشربه لغرض العلاج.
وهناك أشياء كثيرة حذرنا الإسلام من تناولها، وأخرى أمرنا باستخدامها مادة علاجية، مثل النحل يخرج من بطونها شفاء للناس، وهناك حشرات تخرج من بطونها جراثيم حذرنا الإسلام منها.
والذي يهمنا الآن هو أبوال الإبل، وما فيها من فوائد علاجية هامة، ففي جامعة الجزيرة بالسودان، بكلية المختبرات أجريت التجارب العديدة على يد البروفسور أحمد عبد الله محمداني حيث ذكر أن التجارب أجريت على 25 شخصًا مدة خمسة عشر يومًا، وهؤلاء المرضى المصابون بمرض الاستسقاء، وبدأت التجربة معهم بإعطاء كل مريض منهم يوميًا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها، حتى يكون مستساغًا، وبعد 15 يومًا من بداية التجربة، كانت النتيجة مذهلة، حيث انخفضت بطونهم، وعادت لوضعها الطبيعي، وشفي جميع أفراد العينة من الاستسقاء، وكان من الحاضرين للتجربة برفسور إنجليزي أصابته الدهشة، والذهول، وأشاد بالتجربة العلاجية، وأجريت التجربة على الكبد، وغيرها، وكانت النتائج رائعة جدًّا.
وسئل الدكتور زغلول النجار عن التداوي بأبوال الإبل: فأجاب بأن إحدى الشركات الكبرى المصنعة للأدوية (شركة سورانو) انطلقت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول لإنتاج دواء للتشجيع على الحمل، للسيدات اللاتي يعانين من مشكلات، أو قصور في الحمل، وما زال هذا العلاج ينتج حتى الآن، ويستخدم بول الإبل في العلاج من غير الشرب لعلاج السعفة، والدمامل، والجروح التي تظهر في جسم الإنسان، والشعر، والقروح، وغير ذلك من الفوائد العلاجية الكثيرة.
هذا، وقد تبين من خلال الدراسة، وتتبع أغذية الإبل، أنها تتغذى بأنواع كثيرة من الأشجار التي تعجز عنها معظم الحيوانات.
هذا، وقد قامت الدكتورة أحلام العوضي، بتحليلات على أبوال الإبل فوجدته عالي الملوحة، وكثير الفوائد العلاجية؛ ومن خلال التجارب التي أجرتها الدكتورة العوضي، والجديبي اتضح أن بول الإبل يعمل على بلزمة محتويات فطر ANYGER وخميرة ALBICANS.
وعلى إثر هذه التحاليل قامت الدكتورة أحلام العوضي، باستخراج مستحضر من بول الإبل حيث تم صنع هذا المستحضر، وأخذت عليه براءة اختراع من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وقد أطلقت على هذا المستحضر (أ-وزرين) حيث تبين أن بول الإبل هو العلاج الفعال للإصابات الجلدية، وقد قامت الأستاذة منال قطان بأطروحة لنيل درجة الماجستير، أثبتت من خلال دراسة معملية على المستحضر، أنه يقضي على البكتريا، والخميرة المسببة للأمراض الجلدية، كما أجريت دراسة تطبيقية على عدد من المتطوعين، لديهم إصابات جلدية مختلفة، تم علاجهم بمرهم (أ-وزرين) وقد أبدى العلاج نجاحًا عظيمًا على جميع الإصابات، ومن بينها إصابات لم تجد الشفاء بالعلاج الطبي، وعولجت بمرهم (أ-وزرين) فشفيت بإذن الله.
هذا، وقد تم علاج (39) متطوعًا لديهم إصابات جلدية، تم شفاؤهم بإذن الله، وقد شملت هذه الأمراض إصابات الأظافر بالفطريات، بالإضافة لإصابة مكنيكية، (السعفة: التينا) التهابات عن طريق الخمائر، الحساسية، ومن بينها الأكزيما، شروخ في الشرج، والحروق، وحب الشباب، والدمامل، وغير ذلك من الأمراض التي تصيب الجلد، وغيره. اهـ.
ويمكن الاطلاع على بحث (عجائب وأسرار العلاج بأبوال الإبل) المنشور على موقع هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 12472، 73717.
والله أعلم.