الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغاية ما في الأمر بخصوص هذا الموضوع محل السؤال هو أن الشرع الحكيم قد نظم العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار الحياة الزوجية لتسير على استقامة، فلأجل هذا جعل لكل من الزوجين حقا على الآخر يجب عليه القيام به تجاهه، وقد أوضحنا هذه الحقوق في الفتوى رقم: 27662.
ولأجل ذلك أيضا أعطى حق القوامة للزوج على زوجته، وهي قوامة ترتيب وتدبير، لا قوامة تسلط وتسخير، كما أوضحنا في الفتويين رقم: 18814، ورقم: 16032.
فهذه العبارات والمصطلحات التي أوردتها من نحو: تعبد زوجها، أو ملكا لزوجها، أو لتكون مثل الحيوان... إلخ، لم يأت بها الشرع، وإنما هي من بنيات أفكارك، ومسألة منع الزوج زوجته من زيارة أهلها ليست محل اتفاق بين العلماء، إذ لم يرد نص بخصوصها، وإنما يستدل العلماء عليها ببعض عمومات النصوص، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 7260.
ولو تفاهم الزوجان في هذا لم يكن محل إشكال كما يقع كثيرا، ولم يرد في الشرع أن الزوج لو منع زوجته من عبادة الله وجب عليها طاعته ـ هكذا بإطلاق ـ فليس له منعها القيام بالفرض مثلا، ولا تجب عليها طاعته إن منعها منه، كما هو مبين في الفتويين رقم: 68001، ورقم: 65125.
وورد أمرها بطاعته في النوافل ووجوب استئذانها له فيها، وهذا أولا قد ورد به النص، وليس للعباد الاعتراض على الله في أحكامه، وإذا كانت الزوجة راغبة فعلا في رضا الله وكسب ثوابه، فإنها تحصل على ذلك بطاعتها زوجها، وانظري الفتوى رقم: 78697.
ولهذا نقول: إن الزوج باب للزوجة لدخول جنة ربها، والزوجة باب للزوج لدخول الجنة، فهذا الذي تستنكرينه طريق للقربات والحصول على رضا رب الأرض والسماوات والدخول في عالي الجنات، وإذا ظلم الزوج زوجته أو اعتدى عليها بغير وجه حق، فإنه متوعَّد من رب العالمين سبحانه، فهو القائل في ختام آية القوامة نفسها: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: قوله: إن الله كان علياً كبيراً ـ تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن, وبغى عليهن. اهـ.
وتعلم المرأة مشروع بشروطه ولا حرج عليها في التفوق في دراستها، وإذا خشيت أن يمنعها زوجها من إكمال الدراسة بعد الزواج، فلها الحق في أن تشترط عليه ذلك ووجب عليه الوفاء لها بذلك، وراجعي الفتويين رقم: 5310، ورقم: 1357.
وفي الختام نوصيك بأن تباشري حياتك، وتنصرفي إلى ما يهمك وينفعك وأن لا تلتفتي إلى مثل هذه الخواطر والأوهام والوساوس الشيطانية، وعليك بالعمل على مدافعتها، فإنها إذا استقرت في قلبك أعاقت مسيرة حياتك.
والله أعلم.