الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن في قراءة سورة البقرة خيرًا كثيرًا، وأجرًا عظيمًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم. والبطلة: السحرة.
ولكن القرآن كله خير، وبركة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. رواه الترمذي، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه. رواه مسلم.
والأفضل -فيما نرى، والله أعلم- هو عدم الاقتصار على قراءة سورة معينة، وأن المحافظة على قراءة ورد من القرآن كل يوم حتى يختمه كله، هو الأفضل كما كان السلف الصالح يفعلون، والاقتصار على سورة واحدة قد يفضي إلى هجر بقية القرآن. وَلَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ مَهْجُورٌ. كما جاء في قيام الليل للمروزي عن علي- رضي الله عنه- موقوفًا.
والاقتصار على سورة واحدة، وتكرارها دون غيرها من سور القرآن، عدّه بعض أهل العلم من البدع الإضافية.
قال الونشريسي في المعيار المعرب: ومنها - أي من البدع - تكرار السورة الواحدة في التلاوة، أو في الركعة الواحدة؛ فإن التلاوة لم تشرع على ذلك الوجه، ولا أن يخص من القرآن شيء دون شيء في صلاة، ولا في غيرها، فصار المخصص لها عاملاً برأيه في التعبد لله. اهـ.
ومن المعلوم أن الله تعالى أنزل كتابه كله للتدبر، والتذكر، كما قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {ص:29}.
وهذا يدل على أن الاشتغال بالختم، والإكثار من قراءة القرآن عمومًا، أولى من الاقتصار على بعضه، وانظر الفتوى رقم: 171407.
والله أعلم.