الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالرضا بالقدر من أسباب سعادة الإنسان، وفلاحه في الدنيا والآخرة، والتسخط على القدر من أسباب الخسران، وهو دليل على ضعف العلم بالله وصفاته، فقدر الله كله حكمة ورحمة، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، فلا يقضي للعبد إلا ما فيه الخير؛ قال سبحانه وتعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216}.
ولا ينافي الرضا بالقدر أن يراجع الإنسان نفسه لينظر فيما فرّط فيه من أسباب، وما أخطأ فيه من أفعال، فيصحّح ما أخطأ فيه، ويجتهد فيما يقدر عليه من الأسباب.
ومما يعين على الرضا بالقدر، والصبر على المصائب، أن ينتبه العبد إلى أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وإنما هي دار ابتلاء واختبار، والجزاء في الآخرة دار النعيم الأبدي، فلا يظلم الله العبد مثقال ذرة، بل يعطي الجزاء العظيم على البلاء؛ حتى يتمنى الناس يوم القيامة أنهم كانوا من أهل البلاء حين يرون جزاءهم؛ ففي سنن الترمذي عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاَءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ.
وحين يلقى العبد ثواب صبره على البلاء في الآخرة، ينسى كل ما لاقاه في الدنيا من المصائب؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.
فأقبل على الله، وارجع إليه، واطرح نفسك بين يديه، واستعن به، وتوكل عليه، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، وتخذيله لك بالوقوف عند آلام الماضي، وولّ وجهك شطر مستقبل مشرق بطاعة الله عز وجل، ومحفوف بعنايته ورعايته، ولا بأس أن تعرض نفسك على طبيب نفسي، مسلم، وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات النفسية بموقعنا.
والله أعلم.