الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى أن الكحول المحتواة في العطور، مسكرة؛ وبالتالي فهي نجسة، إلا إذا استحالت هذه النجاسة قبل خلطها على العطور استحالة تامة، بحيث صارت مادة أخرى مغايرة، ولم يبق لها أثر.
وذكرنا أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنها ليست نجسة، وهو ما رجحه ابن عثيمين- رحمه الله- حيث قال إنها طاهرة، وذكر الأدلة على ذلك.
فقال في فتاوى نور على الدرب: هذه العطورات التي بها الكحول، طاهرة مهما كثرت النسبة فيها؛ لأن الخمر لا دلالة على نجاسته، لا من القرآن، ولا من السنة، ولا من عمل الصحابة، وإذا لم يدل الدليل على نجاسته، فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فقد يحرم الشيء وليس بنجس، فالأشياء الضارة حرام، وإن لم تكن نجسة؛ فالسم مثلاً حرام وإن لم يكن نجساً. اهـ.
وقال في الشرح الممتع على زاد المستقنع ما ملخصه: والصحيح أنها ليست بنجسة، والدليل على ذلك ما يلي: حديث أنس- رضي الله عنه- أن الخمر لما حرمت، خرج الناس وأراقوها في الأسواق، وأسواق المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً للنجاسة.
وما رواه مسلم: أن رجلا جاء براوية خمر، فأهداها للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: أما علمت أنها حرمت، فساره رجل أن بعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ففك الرجل الراوية، ثم أراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له اغسلها. وهذا بعد التحريم.
ومن الأدلة على طهارتها أن الأصل الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة، ولا دليل..
إلى أن قال: فإن قيل: كيف تخالف الجمهور؟ قلنا: الدلالة بالكتاب، والسنة، والإجماع، إذا ثبت، ولا إجماع هنا. اهـ.
وأما قولك: هل عملي هذا يعد من تتبع الرخص؟ فجوابه أن تتبع رخص العلماء المذموم هو الترخص برخصهم لمجرد الأهواء من غير مراعاة دليل، ولا رجحان، ودون اعتبار للمصالح الشرعية. وهذا لا تخفى مذمته؛ فإن المسلم لا يحق له أن يترك العمل بدليل علمه، لمجرد أقوال لا يعلم لها حجة تعارض ذلك الدليل الذي علمه، وإنما يلزمه عند الخلاف الأخذ بالراجح الذي قوي دليله، وقديماً قيل: وآخذ رخصة كل عالم، تجمعت فيه شرور العالم.
فإذا نظرت في هذه الضوابط، عرفت ما إذا كان عملك هذا من تتبع الرخص أم لا.
والله أعلم.