الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل من الحكمة في نزولهما جملة أنه لم تكن هناك حاجة داعية لتفريق النزول، فإن القرآن نزل مفرقا في وقت صراع الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين، فكانوا كلما جاءوا باستشكال أو كانت هناك حاجة نزل القرآن، كما قال الله سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَة {الفرقان:32}.
قال السيوطي: يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم الله بقوله: كذلك ـ أي أنزلناه كذلك مفرقاً، لنثبت به فؤادك، أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز؟ فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة. انتهى.
وكان إنزال التوراة على موسى بعد إهلاك فرعون وقومه، ونجاة بني إسرائيل؛ فأنزلها الله في وقت واحد، كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {القصص:43}.
قال قتادة عند قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب ـ قال: التوراة.
ومن الحكم التي ذكرها بعضهم أن القرآن نزل مفرقا على أمة أمية، ففرق نزوله ليحفظوه بالتدريج شيئا فشيئا، وأما التوراة: فقد نزلت مكتوبة على قوم يقرؤون في وقت واحد، فقد جاء في تفسير ابن فورك: أنزلت التوراة جملة، لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى، وأما الفرقان: فأنزل متفرقاً، لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي. اهـ.
والله أعلم.