الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج الحديث مسلم في كتاب الإيمان.. باب: معنى قول الله -عزَّ وجلَّ-: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:13] 1/159 ورقم الحديث 177، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب: ومن سورة الأنعام ورقمه 3068، والنسائي وابن حبان عن مسروق قال: كُنْتُ مُتّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ! ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنّ فَقَدْ أَعْظَمَ علَى الله الْفِرْيَةَ. قُلْتُ مَا هُنّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنّ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتّكِئاً فَجَلَسْتُ. فَقُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلاَ تَعْجَلِينِي. أَلَمْ يَقُلِ الله عَزّ وَجَلّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ. فَقَالَتْ: أَنَا أَوّلُ هَذِهِ الأُمّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "إِنّمَا هُوَ جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرّتَيْنِ. رَأَيْتُهُ مُنْهَبطاً مِنَ السّماءِ. سَادّاً عِظَمُ خلقه مَا بَيْنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ" فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَع أن الله يَقُولُ: لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ. أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنّ الله يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلّمَهُ الله إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ.
قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئاً مِنْ كِتَابِ الله فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. وَالله يَقُولُ: يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ. قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. وَالله يَقُولُ: قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ الله.
والله أعلم.