الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمريض أن يخبر بمرضه، إذا لم يكن ذلك على سبيل التسخط، ويستحب له أن يكتم ذلك إذا كان على سبيل الرضا، أو التصبر.
قال الغزالي في الإحياء: من كمال الصبر كتمان المرض، والفقر، وسائر المصائب، وقد قيل: من كنوز البر كتمان المصائب، والأوجاع، والصدقة. اهـ.
ومن هذا ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، في ترجمة عطاء بن أبي رباح، عن يعقوب بن عطاء قال: كان عطاء يريد المسجد، فيلبس ثيابه، فيرى أن ليس عنده أحد. قال: وهو لا يبصر من أحد شقتيه. قال: فقلت له: يا أبت! كأنك تشتكي عينك هذه؟ قال: وفطنت لها؟ قال: قلت: نعم. قال: ما بصرت منها منذ أربعين سنة، وما علمت بذلك أمك. اهـ.
وأما الجواز، فدليله ما رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة ... الحديث.
قال النووي في شرح مسلم: فيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة، أو دعاء صالح، أو وصية، أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه، فإنه قادح في أجر مرضه. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: فيه جواز إخبار المريض بشدة مرضه، وقوة ألمه إذا لم يقترن بذلك شيء مما يمنع أو يكره، من التبرم، وعدم الرضا، بل حيث يكون ذلك لطلب دعاء، أو دواء، وربما استحب، وأن ذلك لا ينافي الاتصاف بالصبر المحمود، وإذا جاز ذلك في أثناء المرض كان الإخبار به بعد البرء أجوز. اهـ.
وقد بوب البخاري في صحيحه: باب قول المريض: إني وجع، أو: وا رأساه، أو: اشتد بي الوجع. وقول أيوب عليه السلام: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} اهـ.
وقد سبق لنا نقل كلام مفيد للحافظ ابن حجر في شرح هذا الباب، فراجعه في الفتويين: 28045، 32691.
والله أعلم.