الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأثر الوسوسة في ما ذكرته السائلة واضح جليٌّ، وخوفها من الكفر، والوقوع في الردة وإن كان أصله مطلوبا من حيث الجملة؛ إلا أن الوسوسة في ذلك، تنأى بصاحبها عن جادة الصواب، وتنحو به إلى الحرج، والمشقة، والغلو! والأفضل في حق السائلة أن لا تبالغ في مثل هذه المسائل، بل تكف نفسها، وتعرض عنها.
ونقول لها إجمالا: إن مجرد ميل القلب لا يعتبر حبا وتعلقا، ثم إنه إذا بلغ حد المحبة والتعلق، فإن حكمه يختلف بحسب الحامل عليه، ففرق بين من يحب إنسانا لأخلاقه، وما فيه من صفات كريمة، أو لإحسانه إليه، أو لقرابته، أو لمصلحة بينهما، ونحو ذلك من الأمور الطبيعية، وبين من يحب إنسانا لدينه، وملته، وبدعته! وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 128403.
وأما الجهل بكفر النصارى، ونحوهم من المقطوع بكفرهم بالنص، والإجماع، فهو وإن كان قبيحا ومزريا، إلا إن صاحبه لا يكفر، للشبهة المذكورة في السؤال من عدم قيام، أو بلوغ الحجة، وقصر الكفر على عبادة الأصنام، والملحدين !!! ولا سيما إن حصل ذلك في بيئة يكثر فيها المدلسون، ويشيع فيها الجهل بمعالم الدين!
وأما بالنسبة للمبتدعة، والتفريق بين علمائهم، وعوامهم، فهذا صواب في بعض الأحيان والحالات، وخاصة في تكفير المعين لا النوع، فلا ينبغي الحكم بكفر أعيانهم على وجع التعميم، بل لا بد من التفصيل في ذلك بحسب الشخص، وحاله، ونوع بدعته.
قال الدكتور إبراهيم الرحيلي في أطروحته للدكتوراه: (موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع): جملة أقوال الناس في تكفير أهل البدع، والمقالات الفاسدة ثلاثة أقوال: طرفان ووسط، أما الطرفان:
فأحدهما: نفي التكفير نفيا عاما عن أحد من أهل القبلة، فلا يكفر أحدا من أهل البدع.
وثانيهما: القول بتكفير أهل البدع تكفيرا مطلقا، وأنهم كلهم كفار خارجون عن الإسلام.
أما واسطة الطرفين، فهو التفصيل في المسألة، وأن أهل البدع ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من هو مقطوع بكفره، كمن أتي بقول، أو فعل مكفر، وتمت في حقه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومنهم من لا يحكم بكفره لانتفاء ذلك في حقه. وهذا هو قول عامة أئمة أهل السنة. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 176819، 185887، 19998.
والله أعلم.