الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنودّ أن ننوه ابتداء إلى أمرين:
الأول: أن الأصل العام في الطلاق مع استقامة الحال بين الزوجين الكراهة والمنع، لما فيه من هدم لنواة المجتمع المسلم، وليس عدم الحب والمشاكل الزوجية مسوغا للطلاق، أما الحب: فما على الحب تبنى البيوت، كما قال الفاروق عمر، فقد قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
وينظر تفسير الآية في الفتوى رقم: 6875.
وأما المشاكل الزوجية: فلا يخلو منها بيت، وللمزيد في تقرير هذا الأصل تنظر الفتوى رقم: 93107.
والأمر الثاني: أن الطلاق حق خالص للرجل لا يشترط فيه طلب المرأة له أو موافقتها عليه، لإطلاق قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وأما في يختص بحالة السائلة الكريمة: فالواجب على الزوج المعدد العدل بين زوجتيه في الحقوق كالنفقة والمعاشرة والقسم، لقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {النساء:3}.
فإن تنازلت الثانية عن حقها للأولى رغبة في بقائها في عصمة الزوج، فذلك إليها، كما تنازلت سودة بنت زمعة لعائشة ـ رضي الله عنهما ـ لما خشيت طلاقها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الترمذي وغيره، وإن لم تتنازل عن حقها، فليس للزوج إضرارها لتتنازل عن حقها لقاء طلاقها، كما في صدر الآية المتقدمة، حيث قال ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {النساء:19}.
فإما أن يعدل بينهما وهو الإمساك بالمعروف، وإما أن يسرحها بمعروف، وهو أن يطلقها ويعطيها حقها، قال تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة:229}.
فعلى ضوء ماتقدم يتبين ما ينبغي على الزوج فعله من طلاق الأخرى أو استبقائها، وأما تخيير الزوجة الأولى زوجها بعد نكاحه بالثانية بينها وبين ضرتها، فهذا من سوء العشرة ومنازعة الزوج حقه، إلا أن تكون قد اشترطت في عقد نكاحها ألا ينكح عليها أخرى، أو ظلم ولم يعدل بينهما، وهذا من جنس ما نهى عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم المرأة من سؤال طلاق ضرتها في قوله: وَلاَ تَسْأَلُ المَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا. وراه البخاري.
وللمزيد في تقرير ذلك تنظر الفتوى رقم: 14810.
والله أعلم.