الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن المعاصي نوعان: صغائر وكبائر، قال الدكتور
وهبة الزحيلي في التفسير المنير:
اتفق جمهور العلماء على أن الذنوب نوعان: كبائر وصغائر، والكبائر: هي كل معصية اقترنت بالوعيد الشديد أو أوجبت الحد. وقيل: إنها سبع، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وماهن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
ورويت روايات أخرى تجعل من الكبائر عقوق الوالدين، وشهادة الزور، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر في كل مقام ما يناسبه، وليس ذلك للحصر، وقيل: تسع، وقيل: عشر، وقيل: أكثر، فقد روى عبد الرازق عن ابن عباس: أنه قيل له: هل الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب.
وروى سعيد بن جبير أنه قال: إلى السبعمائة أقرب.
أما الصغائر أو السيئات فهي: التي لم تقترن بوعيد شديد أو بحد، كالنظر إلى المرأة الأجنبية والقبلة، وتصبح الصغائر مع الإصرار والاستهتار كبائر، واجتناب الكبائر يكفر الصغائر بشرطين:
أولاً: إذا كان الاجتناب مع القدرة والإرادة، كمن يأبى معاشرة امرأة دعته إلى نفسها خوفاً من الله لا لشيء آخر.
وثانيا: مع إقامة الفرائض روى مسلم عن أبي هريرة قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. انتهى
وأما الكبائر فقد جاء فيها حديث
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه:
بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك. رواه
البخاري، والحديث يدل على أن مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد كان كفارة له حتى ولو لم يتب قال
الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور. انتهى
وأما إذا تاب وصدقت توبته فإن الله يقبلها منه، قال
ابن حجر في فتح الباري:
وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أم لا. انتهى
ومن فوائد الحديث أن من مات وكان مرتكباً للكبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله فإن شاء غفر له برحمته وإن شاء عذبه بعدله.
والحاصل أن المسلم العاصي إذا مات وكانت معاصيه صغائر وكان مؤدياً للفرائض مجتنباً للكبائر مع قدرته عليها فهذا يغفر الله له ذنوبه ويدخله الجنة بإذنه، كما قال الله تعالى:
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31].
وأما إن كانت ذنوبه كبائر فإن تاب منها تاب الله عليه، وإن أقيم عليه الحد فهو كفارة له وإن لم يتب، وإن لم يقم عليه الحد ومات بغير توبة فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ونسأل الله تعالى أن يسعدنا وإياك في الدنيا بطاعته، ويوم القيامة بالجنة ورحمته، وانظر الفتوى رقم:
14491 - والفتوى رقم:
9115.
والله أعلم.