الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان مسألة البحرين تعتبر من الإعجاز العلمي، فقد قال أبو زهرة في زهرة التفاسير: هذه الآية من دلائل الإعجاز؛ لأن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ير البحار التي تمخر عبابها السفن، فذكره سبحانه وتعالى لخواصها في القرآن دليل على أنه ليس من عند محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لم يرها ولم يعرفها، ودليل على أن الكلام للَّه تعالى خالق البحر واليابس، والأنهار والبحار، وهو بكل شيء عليم. اهـ
وقال الدكتور الزنداني في كتابه (بينات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته): القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من 1400 سنة قد تضمن معلومات دقيقة عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثا بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجز مائية بين البحار، قال تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. [الرحمن: 19- 20]. يشهد التطور التاريخي في سير علوم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار وبخاصة قبل رحلة تشالنجر عام (1873 م) فضلا عن وقت نزول القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة الذي نزل على نبيّ أمي عاش في بيئة صحراوية ولم يركب البحر، كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولا مخيفا تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار الملحة بحار مختلفة إلا في الثلاثينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات، فأدركوا بعدئذ أن البحار الملحة متنوعة وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار الملحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتا طويلا في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة، التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام، وما عرف الإنسان أن مائي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق، وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض.
* فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟.
* وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟.
* وهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟.
* إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفا لأدق الأسرار في زمن يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدلّ على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً اهـ
ومن الإعجاز أيضا مسألة البحر المسجور؛ كما قال الدكتور زغلول النجار في حوار معه موجود في موقع إسلام أون لاين وفي ملتقى أهل التفسير: الإعجاز العلمي نجده مثلا في قوله تعالى: (والبحرِ المسجورِ) والمسجور هو المتقد نارا، ثم يأتي العلم الآن ليثبت أن كل قيعان البحار والمحيطات مسجرة تسجيرا خفيا بالنيران. اهـ
وراجع مقالة: البحر المسجور واتساع قاع البحر بموقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي فى القرآن والسنة.
وأما عن الكتب في هذا المجال فمن أهمها: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة للشيخ محمد راتب النابلسي، وكتاب القرآن وإعجازه العلمي للشيخ: محمد إسماعيل إبراهيم، وكذلك كتابات الدكتور الزنداني والدكتور زغلول النجار.
والله أعلم.