الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي يتوجه إلى الدجال فيقتله هو رجل من المؤمنين، وهو شاب كذلك، وكونه شابا لا ينافي كونه رجلا فإن الشباب من جملة الرجال، وقد جاء في خبر هذا الرجل في رواية الصحيحين من حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه: فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس، أو من خيار الناس. وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم: فيدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين. فوصفه في تلك الرواية بالوصفين كليهما وهو أنه رجل وأنه ممتلئ شبابا، وليس ثم إشكال في هذا بحمد الله، فليس هو شيخا، ولا الشباب كناية عن كونه مفتول العضلات وإنما هو شاب؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما صفة موته فقد بينها الحديث أتم بيان، قال ابن حجر: قَوْلُهُ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَدَّاكِ فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ فَيُجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى ترقوته نُحَاس فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَفِي رِوَايَةِ عَطِيَّةَ فَقَالَ لَهُ الدَّجَّالُ: لَتُطِيعنِي أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُطِيعُكَ أَبَدًا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُضْجِعَ فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطِيَّةَ: فَأَخَذَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ وَهِيَ غَبْرَاءُ ذَاتُ دُخَانٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَدَّاكِ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ فَيَحْسَبُ النَّاسُ أَنَّهُ قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطِيَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ الرَّجُلُ أَقْرَبُ أُمَّتِي مِنِّي وَأَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَدَّاكِ: هَذَا أَعْظَمُ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِين. انتهى، فتبين بذلك كيفية موته ـ رضي الله عنه ـ بعد أن يقتله الدجال ثم يحييه.
وأما ما مع الدجال فليس جنة ونارا على الحقيقة، قال الدكتور عمر الأشقر ـ رحمه الله ـ: ومما يفتن الدجال به الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار، أو معه ما يشبه نهراً من ماء، ونهراً من نار، وواقع الأمر ليس كما يبدو للناس، فإن الذي يرونه ناراً إنما هو ماء بارد، وحقيقة الذي يرونه ماء بارداً نار.،، ففي صحيح مسلم عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " معه (أي الدجال) جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار " وفي صحيحي البخاري ومسلم عن حذيفة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: " إن معه ماءً وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار " زاد في رواية مسلم: " فلا تَهْلِكوا ".. وفي رواية عند مسلم في صحيحه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يَجْريان، أحدهما: رأي العين، ماءٌ أبيضُ، والآخر، رأي العين، نارٌ تأجج، فإما أدْركَنّ أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد . وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن حذيفة أيضاً: " إن الدَّجال يَخْرج، وإن معه ماءً وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً فنارٌ تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً، فماءٌ بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً، فإنه ماء عذب طيب . وواضح من النصوص أن الناس لا يدركون ما مع الدجال حقيقة، وأن ما يرونه لا يمثل الحقيقة بل يخالفها، ولذلك فقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم: " وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة هي النار.
والله أعلم.