الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة أكبر من الأرض لأن عرضها على قدر السماوات والأرض، كما قال الله تعالي: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران:133}، وقد ثبت أن في الجنة أنهارا, كما يدل له قول الله تعالي: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ {محمد:15}.
وأما عن أمانيك فيها: فقد أخبرنا سبحانه عن الجنة فقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. {الزخرف:71}, وقال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فإذا عُلم هذا؛ عُلم أن العبد ينبغي أن يكون اهتمامه بدخول الجنة, وعلو درجته فيها، فبهذا ينشغل قلبه, ويلهج لسانه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة, وأعلى الجنة. رواه البخاري. فإن من دخل الجنة نال ما تمنى، ووجد ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئًا إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31}.
أما عن ساكني الجنة: فقد اختلف في وجود الجن بها، كما قدمنا بالفتوى رقم: 3621.
وثبت ما يدل على أن الله ينشئ لها خلقا, كما في الحديث: وأما الجنة فإن الله -عز وجل- ينشئ لها خلقا. رواه البخاري, ومسلم. وفي رواية لهما: "ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة".
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشئهم الله لأجل ملئها .. وفيه دلالة على أن الثواب ليس موقوفا على العمل, بل ينعم الله بالجنة على من لم يعمل خيرا قط, كما في الأطفال. اهـ.
وقال النووي: هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال؛ فإن هؤلاء يخلقون حينئذ, ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل. اهـ.
وقال القاري في (المرقاة): "وأما الجنة: فإن الله تعالى ينشئ لها" أي من عنده "خلقا أي: جمعا لم يعملوا عملا، وهذا فضل من الله تعالى. اهـ.
والله أعلم.