الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنتم وأصبتم السنة بتحري الصلاة عند الأسطوانة المذكورة؛ فيستحب للمسلم أن يصلي في الأماكن الفاضلة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى الصلاة فيها؛ فقد جاء في الصحيحين عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا" قال الحافظ في الفتح: "وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول: لَوْ عَرَفَهَا النَّاس لَاضْطَرَبُوا عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَأَنَّهَا أَسَرَّتْهَا إلَى ابْن الزُّبَيْر فَكَانَ يُكْثِر الصَّلَاة عِنْدهَا" وقال النووي في شرح مسلم: "فَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَيْهَا فَمُسْتَحَبَّةٌ". وقال الخرشي في شرح المختصر عند قول خليل: "وإيقاع نفل به بمصلاه -عليه الصلاة والسلام-: (ش) يعني: أنه يستحب إيقاع النفل بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه، وهو: العمود المخلق"
والعمود المخلق هو: الأسطوانة التي تعرف بالمخلقة، وبأسطوانة المهاجرين، وبأسطوانة عائشة، كما جاء في فتح الباري شرح البخاري لابن رجب السلامي الحنبلي: "وهذه الأسطوانة الظاهر أنها من أسطوانات المسجد القديم الَّذِي يسمى الروضة، وفي الروضة أسطوانتان، كل منهما يقال: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي إليها: الأسطوانة المخلقة، وتعرف بأسطوانة المهاجرين؛ لأن أكابرهم كانوا يجلسون إليها ويصلون عندها، وتسمى: أسطوانة عائشة" وهي التي كان يوضع عندها الصندوق الذي فيه المصحف الإمام الذي أمسكه عثمان -رضي الله عنه- لأهل المدينة عند توزيعه المصاحف على الأمصار؛ جاء في إرشاد الساري للقسطلاني، وغيره: (التي عند المصحف) الذي كان في المسجد من عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-".
أما دعاء المسلم ربه -تبارك وتعالى- أن يرزقه شفاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلا بأس به في أي مكان من المسجد.. ويتوجه إلى القبلة بدعائه إذا أراد أن يدعو، ولا يتوجه إلى القبر؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يستقبل قبره... وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، والقاضي عياض، وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو، ولكن يسلم ويمضي."
وأما الدعاء عند الملتزم: فقد استحبه أهل العلم، ووردت في فضله أحاديث تكلموا في سندها، لكن حسنها بعضهم بمجموعها، كالألباني -رحمه الله-، وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 34784، 111217.
والله أعلم.