شبهة حول حديث عثمان بن حنيف في التوسل والرد عليها

11-12-2014 | إسلام ويب

السؤال:
انا دائما ما أشاهد برنامج "المسلمون يتساءلون" على قناة المحور بإعداد محمد سعيد مقدم البرنامج، وهو دائما يستضيف علماء الأزهر الكبار - والله أكبر- وفي الأمس كان عنوان الحلقة (الوسيلة والشفاعة) وكان ضيف الحلقة الشيخ عبد الخالق العطيفي، وهو مفتش الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية ومن مشايخ الأزهر، وسَمعتُ كلاما منهُ كان يجب عليّ أن أستفسر عنه من علمائنا؛ لأني بتفكيري أصبحت مُغاليا حسب كلام شيخنا العزيز.
فقد قال إن التوسل بصيغة يا مُحمد بعد وفاته في أي مكان جائزة، وأنا كنت أعتقد أن الذي يقول ياء المخاطبة للميت في مكان غير قبره حرام، وهناك حديث استدل به وهو صحيح
- وعن عثمان بن حنيف : أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك ورح إلي حين أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصبر فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الكلمات، فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط، قلت روى الترمذي وابن ماجه طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح بعد ذكر طرقه التي روى بها.
الهيثمي - مجمع الزوائد - الجزء: (2) - رقم الصفحة: (279) هـ
فإنني في حيرة من أمري كيف أنادي يا محمد اشفع لي عند الله، والله أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك أبداً فماذا أفعل؟! وهل التوسل واجب؟
وقال الشيخ أيضا في كلامه إنه يستحل التوجه إلى القبر وقول يا محمد أتوسل بك إلى الله والنداء على النبي عليه الصلاة والسلام، وأنا كنت عندما أرى الشيعة بعد الصلاة يتوجهون إلى قبر الحسين بكربلاء أو قبر أحد الصالحين من الأئمة عليهم السلام كنت أقول الحمد لله وأعتقد بل أشفق عليهم من أنهم ضالون، وأنا لا أستطيع أن أتوجه إلى قبر شخص وأقول يا فلان اشفع لي عند الله، وإذا ثبت هذا الحديث فإن إخواننا الشيعة يكونون ليسوا على خطأ وأفعالهم صحيحة وصائبة عندما ينادون في يوم الجمعة بعد صلاة المغرب بأحفاد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الاثني عشر ويقولون يا علي إني أتوجه إليك... يا علي اشفع لنا... يا فاطمة بنت محمد يا بنت... اشفعي لنا يا حسن بن علي اشفع لنا... يا...
وهكذا إلى أن يقولوا العجلة العجلة العجلة.
يا محمد يا علي اكفيانا فإنكما كافيان!!!
يا علماءنا كيف أتقبل هذا الكلام؟ فإن قلتم يجوز فقلبي وعقلي لا يستطيع تقبله، فماذا أفعل؟.
والأمر الآخر: أني أعلم أن هذا الحديث صحيح، ولكن عند موت الشخص فهل يسمعنا عندما نناديه أينما كنا أم عند قبره فقط وما الدليل؟ حتى ولو كان رسول الله؟.
والله علمنا أدعية كثيرة من عنده وعلى لسان الأنبياء والصالحين في القرآن الكريم وهي معروفة مثل دعاء نوح وابراهيم وهود وموسى وكثير، ودعاء آخر البقرة وآل عمران، ولكن الغريب أنه في هذه الأدعية التي في القرآن الكريم لا يوجد أي دعاء فيه تقرب إلى الله بشخص آخر، الأدعية كلها موجهة إلى الله ذاته دون وسيله أو دون تقرب.
وأنا ضائق صدري فأسعفوه جزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن نداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بـ (يا محمد) لا يعتبر توسلا وإنما يعتبر اشتغاثة، وقد منع النبي صلي الله عليه وسلم الاستغاثة به في حياته فقال: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله، رواه الطبراني وصححه الألباني.

ويمنع كذلك الاستغاثة والدعاء لسائر المخلوقين عند قبورهم وفي غير ذلك من الأماكن، فالاستغاثة والدعاء عبادة، والعبادة صرفها لغير الله شرك، كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . {يونس: 106-107}.

وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ {الأحقاف:5}.

وقال: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ  * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. {فاطر: 14ـ 13}.

 وأما قصة عثمان بن حنيف في شأن الرجل الذي كان يريد حاجة من عثمان بن عفان فقد ضعفها الألباني في التوسل، وأطال الكلام فيها، وذكر أن الطبراني لم يصحح القصة، وإنما صحح الحديث فقط، ثم قال الألبانيوخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة، لأمور ثلاثة: ضعف حفظ المتفرد بها، والاختلاف عليه فيها، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث، وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة، فكيف بها مجتمعة؟ اهـ

واما مسألة سماع الأموات لمن زارهم فقد اختلف فيها، والراجح الذي عليه جمهور العلماء أن الميت يسمع كلام زائره في الجملة، ومن أدلة ذلك ما جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه.. ففي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه، ورد عليه السلام ـ قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه عبد الحق صاحب الأحكام. انتهى.

وقد سبق بيان المزيد من الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك في الفتوى رقم: 134413، والفتوى رقم: 4276.

وراجع أيضا فتوانا رقم: 185757 بعنوان: هل الرسول وصاحباه يسمعون الصلوات وخطب الجمعة بالمسجد النبوي.

ثم اعلم أن التوسل ليس واجبا، وإنما اختلف العلماء في جوازه، وأما سؤال الشفاعة من المخلوق فليس مشروعا بل هو من المحدثات المخالفة لهدي السلف؛ حيث لم يؤثر عنهم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا طلبها من خيار الصحب والتابعين، فقد جاء في كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية: وقد يخاطبون الميت عند قبره أو يخاطبون الحي وهو غائب، كما يخاطبونه لو كان حاضرًا حيًّا، وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها: يا سيدي فلانا! أنا في حسبك، أنا في جوارك، اشفع لي إلى الله، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا، سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة، أشكو إليك كذا وكذا، فسل الله أن يكشف هذه الكربة، أو يقول أحدهم: سل الله أن يغفر لي، ومنهم من يتأول قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة! ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين، فإن أحدًا منهم لم يطلب من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا، ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم ... فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم، وسؤالهم، والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم بمعنى طلب الشفاعة منهم - هو من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولًا ولا أنزل به كتابًا، وليس هو واجبًا ولا مستحبًّا باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين، وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كله من الشيطان ... ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعةً سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب .... وجواب هؤلاء من طريقين: أحدهما: الاحتجاج بالنص والإجماع، والثاني: القياس، والذوق، والاعتبار ببيان ما في ذلك من الفساد، فإن فساد ذلك راجح على ما يظن فيه من المصلحة. أَمَّا الأول فيقال: قد علم بالاضطرار والتواتر من دين الإسلام، وبإجماع سلف الأمة وأئمتها، أن ذلك ليس بواجب ولا مستحب، وعلم أنه لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل ولا أحد من الأنبياء قبله، شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم ... فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبالنقل المتواتر، وبإجماع المسلمين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يشرع هذا لأمته، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئا من ذلك، بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك، كما أن المسلمين ليس عندهم عن نبيهم نقل بذلك، ولا فعل هذا أحد من أصحاب نبيهم والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين، وكان أصحابه يُبتلون بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا قبر الخليل، ولا قبر أحد من الأنبياء، فيقول: نشكو إليك جدب الزمان أو قوة العدو أو كثرة الذنوب .. بل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كونه لم يشرع هذا فليس هو واجبًا ولا مستحبًّا، فإنه قد حرم ذلك وحرم ما يفضي إليه، كما حرم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"... واتخاذ المكان مسجدًا هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجدًا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين، فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر، ودعائه، والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه، ... ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم؛ مثل أن يتخذ قبورهم مساجد، لكان ذلك محرمًا منهيًّا عنه، ولكان صاحبه متعرضًا لغضب الله ولعنته، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" .. فإذا كان هذا محرمًا وهو سبب لسخط الرب ولعنته، فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه، واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطَّلبات وقضاء الحاجات؟! وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس ... اهـ. 

وقد فصلنا القول في حكم التوسل والاستغاثة والفرق بينهما وفي حكم نداء آل البيت في الفتاوى التالية ارقامها: 17593 - 3835 -  27752 - 204709

 والله أعلم.

www.islamweb.net