الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء نود أن نلفت النظر إلى أنه يحسن بالمسلم أن يصرف همته إلى ما ينفعه في أمر دينه ودنياه، والانشغال بأسئلة الشبهات وإيراد الإشكالات لا ينبغي أن يكون ديدن المسلم، وخاصة إذا ثبتت النصوص الصحيحة في الأمر المعين، ونحن نعلم أن هذه المسألة مما شغب بها كثيرا أعداء الإسلام، ولا هم لهؤلاء إلا الطعن في الدين، ومحاولة تشكيك المسلمين، وقد كان المشركون في الجاهلية يجادلون المسلمين ويقولون: ما ذبح الله بسكين من ذهب ـ يعني الميتة ـ فهو حرام، وما تذبحون أنتم بسكين فهو حلال؟ فنزلت: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ {الأنعام:121}.
وبخصوص زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي صغيرة فلا إشكال في عدم كون المرأة مكلفة، وأنها مع ذلك تكون قد بلغت مبلغ النساء، فلا تلازم بين الأمرين، يدل على ذلك الأثر الذي ذكرته عائشة نفسها قال النووي: قال الداودي: وكانت قد شبت شباباً حسناً رضي الله عنها. ولما كانت أعرف بنفسها وأنها بلغت مبلغ النساء قالت ـ كما روى عنها الترمذي ـ: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. اهـ.
هذا مع العلم بأن الجارية قد تكون في هذه السن مكلفة بمعنى أنها تكون قد ظهرت عليها بعض علامات البلوغ ومنها الحيض، وهذا أمر يختلف باختلاف البيئات كما أشرنا إليه سابقا، وعلى هذا يمكن أن تكون الفتاة في هذه السن ولها شهوة، ولكن على فرض أنها ليست لها شهوة، فإن الزواج فيه كثير من الأغراض الصحيحة الأخرى التي قد ينشدها الناس كالأحساب والأنساب والجاه ونحو ذلك مما يمكن أن تجني ثمرته الفتاة وأهلها، وهذا أمر مشاهد لا ينكر، ومن هنا كان الصحابة يحرصون على تزويج بناتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا شرف ليس بعده شرف، جاء في مسند أحمد في حديث طويل عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: أبي برزة الأسلمى: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه و سلم فيها حاجة أم لا... الحديث. ولهذا وجد كثير من النساء عرضن أنفسهن على النبي صلى الله عليه وسلم للزواج منهن، قال ابن كثير في تفسيره: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم... إلى أن قال: والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم كثير، كما قال البخاري. اهـ. وقال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم: فاتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه بعائشة وحفصة، وكذلك تزويجه ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب، وتزويجه ابنته رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان، يشير إلى أنه يبغي من وراء ذلك توثيق الصلات بالرجال الأربعة، الذين عرف بلاءهم وفداءهم للإسلام في الأزمات التي مرت به، وشاء الله أن يجتازها بسلام. اهـ. فكل هذه مصالح محل اعتبار فلماذا ينظر فقط إلى أمر الشهوة؟
وقد استحب بعض أهل العلم للولي ألا يزوج موليته قبل البلوغ، قال النووي في شرحه على مسلم تعليقا على ذلك: اعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا يستحب أن لا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها. اهـ.
وأما اللعب بالدمى في مثل هذه السن فلا ينافي أن الفتاة بلغت مبلغ النساء، وهو أمر لا يستغرب، فكونها امرأة لا يعني أن لا تبقى في نفسها بعض ميول الطفولة والرغبة في اللعب بالدمى، وفي واقعنا المعاصر نرى أن من النساء من تشاهد بعض الأفلام والرسوم التي يشاهدها عادة الأطفال، وقد يجتمع على ذلك أفراد الأسرة بمن فيهم الآباء والإخوة، ولا يستنكر مثل هذا عادة.
والله أعلم.