الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوحي له معنيان؛ معنى خاص، وهو: إرسال جبريل إلى النبي للإيحاء إليه؛ فهذا وحي تشريع يخص الأنبياء والرسل دون غيرهم. وأما المعنى العام للوحي فهو: بمعنى الإلهام، كالرؤى، والتحديث، ونحو ذلك؛ وهذا يكون للأنبياء وغيرهم.
قال ابن تيمية: وليس كل من أُوحي إليه الوحي العام يكون نبيًّا؛ فإنه قد يوحى إلى غير الناس؛ قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتَاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}، وقال تعالى: {وَأَوْحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}. وقال تعالى عن يوسف وهو صغير: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُون}، وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}، وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي}.
وقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيَاً}: يتناول وحي الأنبياء، وغيرهم؛ كالمحدّثين الملهمين؛ كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "قد كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فعمر منهم".
وقال عبادة بن الصامت: رؤيا المؤمن كلامٌ يكلّم به الربّ عبده في منامه.
فهؤلاء المحدثون الملهمون المخاطبون يوحى إليهم هذا الحديث الذي هو لهم خطابٌ، وإلهام، وليسوا بأنبياء معصومين مصدّقين في كلّ ما يقع لهم؛ فإنه قد يوسوس لهم الشيطان بأشياء لا تكون من إيحاء الرب، بل من إيحاء الشيطان، وإنما يحصل الفرقان بما جاءت به الأنبياء؛ فهم الذين يُفرّقون بين وحي الرحمن ووحي الشيطان. اهـ. من النبوات.
وقال الدكتور/ صالح الفوزان: الوحي هو: الإعلام بسرعة وخفاء، وهو على نوعين: وحي إلهام، ووحي إرسال. وحي الإلهام: يكون بإلهام الله بعض المخلوقات ببعض الأمور؛ مثل قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: ألهمها، ومثل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}، ألهم الله أم موسى أن تعمل هذا العمل بولدها لما ولدته، وكان فرعون يقتِّل الذكور، فالله ألهمها أن تعمل هذا العمل من أجل نجاة موسى من هذا الجبار.
وأما وحي الإرسال: فهو الذي ينزل به جبريل -عليه السلام- إلى الرسل. اهـ. من إعانة المستفيد.
وقال الدكتور/ خالد المصلح: يطلق الوحي ويراد به الإعلام السريع الخفي. وهذا هو الأصل فيه، فمنه ما يكون ظاهرًا، ومنه ما يكون خفيًّا، ومنه ما يكون يقظة، ومنه ما يكون منامًا، وقد بين الله -جل وعلا- أقسام الوحي في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى:51]، هذه المرتبة الأولى.
- {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، هذه المرتبة الثانية.
- {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51]، هذه المرتبة الثالثة.
فأقسام الوحي ثلاثة:
- القسم الأول: هو الإعلام السريع، وهذا لا يختص به الأنبياء؛ بل يكون للأنبياء وغيرهم، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي} [المائدة:111]، ومنه قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص:7]، ومنه قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68]، فهذا كله يدخل في القسم الأول.
- القسم الثاني: وهو ما خص الله به موسى عليه السلام، وهو التكليم من وراء حجاب، وهو المشار إليه في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164].
- القسم الثالث: وهو العام في الرسل، ولا يكون إلا لهم، وهو: أن يرسل إليهم رسولًا وهو جبريل -عليه السلام-، والأصل في الرسول الذي يبلغ القرآن ووحي رب العالمين في الكتب السابقة هو جبريل -عليه السلام-. وهذا عام لجميع الأنبياء.
وأرفع هذه الأنواع هو النوع الثاني الذي خص الله به موسى -عليه الصلاة والسلام-، وهو أن يكلم الله الرسول من وراء حجاب، ثم النوع الثاني الذي هو آخر المذكورات في الآية، وأقلها وأدناها درجة هو النوع الأول الذي ابتدأ به ذكر أقسام الوحي في قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى:51]، وهذا لا يختص بالأنبياء كما تقدم. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 119757.
والله أعلم.