الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد فضل الله سبحانه وتعالى بعض رسله على بعض، كما قال عز وجل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ {البقرة:253}.
وأفضلهم جميعا أولو العزم الوارد ذكرهم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {الأحزاب:7}، وفي قوله سبحانه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..{الشورى:13}.
وأفضل أولي العزم إجماعا نبينا محمد صلى الله عليه سلم، ثم إبراهيم على الراجح من أقوال أهل العلم، واختلف في ترتيب الثلاثة الباقين، فمن أهل العلم من يتوقف عن التفضيل بينهم، ومنهم من قطع بأفضلية موسى بعد إبراهيم، وتوقف في التفضيل بين نوح وعيسى عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
يقول ابن كثير في تفسيره: ولا خلاف أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضلهم، ثم بعده إبراهيم، ثم موسى على المشهور. اهـ.
ويقول السيوطي: ونعتقد أَن أفضل الْخلق على الإطلاق حبيب الله الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يليه إِبْرَاهِيم فِي التَّفْضِيل، فَهُوَ أفضل الْخلق بعده نقل بَعضهم الْإِجْمَاع على ذَلِك، وَفِي الصَّحِيح خير الْبَريَّة إِبْرَاهِيم خص مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبَقيَ على عُمُومه، فموسى، وَعِيسَى، ونوح الثَّلَاثَة بعد إِبْرَاهِيم أفضل من سَائِر الْأَنْبِيَاء، وَلم أَقف على نقل أَيهمْ أفضل. اهـ بتصرف.
ويقول ابن عثيمين: وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة" متفق عليه، وصلاتهم خلفه ليلة المعراج، وغير ذلك من الأدلة. ثم إبراهيم؛ لأنه أبو الأنبياء وملته أصل الملل، ثم موسى؛ لأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل، وشريعته أصل شرائعهم، ثم نوح، وعيسى لا يجزم بالمفاضلة بينهما؛ لأن لكل منهما مزية. اهـ
وأما منازلهم، ودرجاتهم في الجنة فهي على حسب أفضليتهم عند الله تعالى، وقد بينا لك ما وسعنا ذكره في هذا الخصوص.
وأما بخصوص قولك" يعني صاحب الجنة الأعلى منك منزلة. هل هو منعم أكثر منك، ولديه أشياء أنت لا تملكها أم لا؟ "
فالجواب: أن مما لا شك فيه أن أهل الجنة متفاوتون في الدرجات والمراتب، وهذا التفاوت يقتضي أن عند الأعلى من النعيم أكثر مما عند الأدنى، والنصوص الدالة على هذا أكثر من أن تحصر، واقرأ إن شئت بداية سورة الواقعة، والتي قسم الله تعالى فيها أهل الجنة إلى صنفين: ( السابقون السابقون - وأصحاب اليمين ) وبين بعضا مما أعد لكل صنف.
على أن هذا التفاوت لا يقلل من شأن نعيم الأدنى درجة، ولا يترك أثرا في نفسه كما هو الحال في الدنيا، وانظر الفتوى رقم: 47719.
جعلنا الله وإياك من أهل الدرجات العلى في الجنة.
والله أعلم.