الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيكم خيراً على ما تقومون به من جهد مشكور، وعمل مأجور ـ بإذن الله ـ فالدال على الخير كفاعله، وقد ورد كثير من الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس، فمن ذلك ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
ومن ذلك ما في مسلم والمسند وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.. إلى آخر الحديث.
كما أن هذا من التعاون على البر، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2}.
وأما ما سألت عنه، فجوابه: أن الأصل في هذه الجمعيات أنها وكيل في التصرف فيما يرد إليها من أموال، والوكيل لا يتصرف إلا في حدود ما أذن له موكله، فإذا شرط الموكل شرطاً وجب عليه الالتزام بشرطه ولم تجز له مخالفته، وإذا لم يشترط الموكل شرطاً معيناً، جاز للوكيل التصرف بما تقتضيه المصلحة، لما جاء في صحيح البخاري عن معن بن يزيد بن الأخنس ـ رضي الله عنهم ـ قال: كان أبو يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن.
قال العيني في عمدة القاري: يزيد أعطى دنانير للرجل ليتصدق عنه ولم يحجر عليه، أي لم يعين له مصرفا خاصا يصرفها فيه، فدل هذا على أن للوكيل الذي لم تعين له جهة بعينها أن يجتهد في وضع المال فيما يرى فيه الخير.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في لقاء الباب المفتوح عن رجل يعطي شخصاً آخر مبلغاً من المال ليصرفه على مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وهذا الشخص جمع مبلغاً من هذا المال واشترى سيارة كبيرة يقول إنها للتحفيظ ولكنه سجلها باسمه، فما حكم هذا العمل؟ فأجاب رحمه الله:.... ما يختص بصرف المال الذي أعطيه، إن كان لمصلحة المدرسة عامة، فلا بأس أن يشتري سيارة لمصلحة المدرسة، وإن كان معينا للمعلمين والطلبة، فإنه لا يجوز صرفه لغيرهم.
وعلى هذا، فالتبرعات التي قد عين المتبرع لها مصرفا خاصا كعلاج المرضى مثلا، فإنها لا تصرف في غير ذلك من شؤون الجمعية لا سيما وأنكم تحصلون على دعم من الدولة لتسيير نشاط الجمعية، ولديكم كوبونات متنوعة تعرض على المتبرعين منها، كما ذكرتم تبرعات خاصة بأنشطة الجمعية ـ لتغطية الأنشطة والمصروفات ـ فإذا اختار المتبرع كوبون علاج المرضى علُم أنه يريد هذا المصرف لا سواه، فيلزمكم الاقتصار عليه.
وراجع تتميماً للفائدة الفتوى رقم: 50816.
والله أعلم.