الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن يقال: الله يعرف كذا، وإنما يقال: الله يعلم، لأن المعرفة دون العلم، وهي مسبوقة بجهل، وتستعمل في العلم القاصر الذي يتوصل إليه بتفكر وتدبر وتعلم. وهذا مستحيل في حق الله تعالى، والفرق بين العلم والمعرفة كما جاء في عمدة القاري للعيني قال: الفرق بَين الْعلم والمعرفة، أَن الْمعرفَة إِدْرَاك الجزئيات، وَالْعلم إِدْرَاك الكليات، وَلِهَذَا لَا يجوز أَن يُقَال: الله عَارِف كَمَا يُقَال: عَالم.
وجاء في بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادى: والمعرفة: إِدراك الشيءِ بتفكُّر وتدبّر لأَثره، وهو أَخَصّ من العلم، ويقال: فلان يعرف اللهَ، ولا يقال: يعلم الله متعدّياً إِلى مفعول واحد، لمَّا كان معرفة البشر لله هي بتدبّر آثاره دون إِدراك ذاته، ويقال: الله يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كان المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصَّل إِليه بتفكُّر وتدبّر، وقد ورد في القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم، فلفظ المعرفة كقوله تعالى: مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ـ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ـ وأَمّا لفظ العلم: فهو أَكثر وأَوسع إِطلاقاً، كقوله تعالى: فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله ـ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط ـ وقوله: والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بالحق ـ وقوله: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً... واختار الله لنفسه اسم العلم وما يتصرّف منه؛ كالعالِم والعلِيم والعَلاَّم، وعَلِم ويَعْلم، وأَخبر أَن له عِلماً دون لفظ المعرفة، ومعلوم أَنَّ الاسم الذي اختاره لنفسه أَكمل نوعي المشارِك له في معناه. اهـ.
والله أعلم.