الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأفضل الصيام بلا شك، صيام نبي الله داود عليه السلام، وهو صوم يوم، وفطر يوم، كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الصلاة إلى الله، صلاة داود؛ وأحب الصيام إلى الله، صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما. متفق عليه.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مداومة صيام الاثنين والخميس، والترغيب في ذلك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولما كان الجمع بين صيام داود، وبين صوم الاثنين والخميس، متعذر بشكل دائم؛ فإن العلماء اختلفوا هل الأفضل المداومة على صوم داود، وترك تَقَصُّد صوم الاثنين والخميس، أم يجمع بينهما ولو أدى ذلك إلى توالي صوم بعض الأيام.
يقول الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: فالفضل العام في الصوم الذي هو المرتبة العليا، صوم يوم وإفطار يوم، قال بعض العلماء: إذا التزمه يستمر عليه، ويبقى العارض الذي لا يتكرر إلا في السنة مرة، مثل يوم عاشوراء، ومثل صيام ست من شوال، قالوا: إنه إذا قصدت بعينها يصومها بعينها. لكن بعض العلماء يقول: لا يستثنى إلا يوم عرفة، وعاشوراء اللذين ورد الفضل فيهما، أما الست من شوال فإنها تدخل تحت صوم يوم وإفطار يوم، لكن لا بد وأن ينويها. فالشاهد أن بعض العلماء يقول: إذا صام يوماً، وأفطر يوماً لا يحتاج إلى أن يصوم الإثنين والخميس؛ لأن الفضل العام مقدم على الفضل الخاص، والفضل العام جاء بترتيب معين، وهو صوم يوم وإفطار يوم، وبعض العلماء يقول: لا تعارض بين العام والخاص، كما أنه يشرع له أن يصوم يوم عاشوراء للسبب المعين، أي: السبب الخاص الوارد. فيرى أن هذا لا يقدح في صوم يوم، وإفطار يوم، فيرون أنه يصوم الإثنين والخميس، ويبقى على ترتيبه في صوم يوم وإفطار يوم؛ لأنه لسبب وموجب. وعلى كل حال كلا القولين له وجه. اهـ.
وأما عن قولك: "وهل يجوز لي صيام الأسبوع كاملا ما عدا يوم أو يومين" ، فقد بينا في الفتوى رقم: 23939 أن الراجح عندنا أن صوم الدهر لا يكره إذا أفطر أيام النهي، ولم يترك فيه حقًّا، ولم يخف ضررًا، وبالتالي يكون جواز ما ذكر السائل من باب أولى، مع التنبيه إلى أنه إن كان يبحث عن الأفضل، فإن الأفضل هو ما تقدم من صوم يوم، وفطر يوم. وليحذر مما لا يستطيع المداومة عليه، فإن قليلا يدوم، خير من كثير ينقطع، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ. رواه مسلم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل، تدوم الطاعة، والذكر، والمراقبة، والنية والإخلاص، والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة. انتهى.
والله أعلم.