الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم النذر على أقوال عدة: فذهب بعضهم إلى القول بكراهته، وذهب آخرون إلى استحبابه، وذهب فريق ثالث إلى القول بتحريمه، وذهب فريق رابع إلى إباحته.
وسبب اختلافهم هو اختلافهم في المراد من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: "إنه لا يرد شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل". رواه البخاري، ومسلم. وقد قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول من قال باستحبابه: وأحسن ما يحمل عليه كلام هؤلاء: نذر التبرر المحض؛ بأن يقول: لله عليّ أن أفعل كذا.
ونسب القول بالتفرقة بين نذر المجازاة -فحمل النهي عليه- وبين نذر الابتداء -فهو قربة محضة-، نسب هذا القول إلى ابن دقيق العيد، وإلى أبي العباس القرطبي في كتابه: المفهم.
فعلى هذا؛ يكون نذر المجازاة مكروهًا، وهو مثل قول الرجل: إن شفى الله مريضي، فعليّ صدقة كذا.
ويكون نذر التبرر طاعة مستحبة وهو كقول الرجل: لله عليّ أن أفعل كذا، هذا هو حكم النذر ابتداء.
فإذا وقع النذر، فإنه يلزم الوفاء به ويأثم بعدم الوفاء به، إلا إذا كان نذر معصية، فلا يجوز الوفاء به، كما سبق بيانه في الفتوى:27782.
وتجب الكفارة في النذر، إذا عجز الناذر عن الوفاء بنذره، كما سبق بيان ذلك في الفتوى: 28055.
وبخصوص مرور وقت طويل على النذر، فإن ذلك لا تأثير له في لزوم الوفاء به؛ إذ إن النذر لا يسقط بالتقادم، ولتراجع الفتوى: 7004 لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.