الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فستكون الإجابة على سؤالك في النقاط التالية:
1ـ فطلب المال, والجاه, ونحوها، لكي يحصل الإنسان على مدح الناس وثنائهم هو من قبيل الرياء في غير العبادات, وهذه قد يدخلها نوع من الرياء، لكن حكمه ليس كحكم الرياء في العبادات، بل قد يكون مباحًا، وقد يكون طاعة، وقد يكون مذمومًا، وذلك بحسب الغرض المطلوب، كما بين ذلك الغزالي -رحمه الله- في الإحياء حيث قال: فإن قلت فالرياء حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل؟ فأقول: فيه تفصيل، فإن الرياء هو طلب الجاه، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات، فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال، فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورات، فكذلك الجاه، وكما أن كسب قليل من المال هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه، وهو ما يسلم به عن الآفات أيضًا محمود، وهو الذي طلبه يوسف -عليه السلام- حيث قال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وكما أن المال فيه سم ناقع ودرياق نافع فكذلك الجاه، وكما أن كثير المال يلهي ويطغي وينسى ذكر الله والدار الآخرة فكذلك كثير الجاه بل أشد، وفتنة الجاه أعظم من فتنة المال، وكما أنا لا نقول تملك المال الكثير حرام فلا نقول أيضًا تملك القلوب الكثيرة حرام إلا إذا حملته كثرة المال وكثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز، نعم انصراف الهم إلى سعة الجاه مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها، وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه، ومن غير اغتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه، فإذن المراءاة بما ليس من العبادات قد تكون مباحة، وقد تكون طاعة، وقد تكون مذمومة، وذلك بحسب الغرض المطلوب بها. انتهى.
2ـ فعل الطاعات من أجل ثناء الناس فقط, أو من أجل ثناء الناس مع طلب الثواب من الله تعالى، كل ذلك من قبيل الرياء المحرم؛ جاء في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي: وحد الرياء المذموم: إرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى؛ كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وكماله حتى يحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء. انتهى.
وفي آداب النفوس للحارث المحاسبى: والإرادة إرادتان؛ إِحْدَاهمَا: الدُّنْيَا. والأخرى: للآخرة.
فالصدق والإخلاص إِنَّمَا هُوَ إِذا أَرَادَ العَبْد بِعَمَلِهِ وَجه الله وَلَيْسَ فِيهِ شيء من مَعَاني الدُّنْيَا، والرياء إِنَّمَا هُوَ أَن تكون الإرادة كلهَا للدنيا؛ فَمِنْهُ مَا يكون العَبْد يُرِيد بِعَمَلِهِ فِي أصل الْعَمَل المحمدة وَالثنَاء، وَمِنْه مَا يكون العَبْد يُرِيد بِهِ فِي أصل عمله وَجه الله وَالدَّار الاخرة وَيُحب أن يحمد بِعَمَلِهِ ويثنى عَلَيْهِ. انتهى.
3ـ من أقدم على عبادة لله تعالى من أجل غرض دنيوي, كإظهار الاستقامة, والصلاح ليظفر من وراء ذلك بزوجة معينة مثلًا, فهذا من الرياء المحرم؛ قال الغزالي في إحياء علوم الدين متحدثًا عن حالات من الرياء: الثانية: أن يكون غرضه نيل حظ مباح من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح امرأة جميلة أو شريفة، كالذي يظهر الحزن والبكاء ويشتغل بالوعظ والتذكير لتبذل له الأموال ويرغب في نكاحه النساء، فيقصد إما امرأة بعينها لينكحها أو امرأة شريفة على الجملة، وكالذي يرغب أن يتزوج بنت عالم عابد فيظهر له العلم والعبادة ليرغب في تزويجه ابنته، فهذا رياء محظور؛ لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا، ولكنه دون الأول، فإنه المطلوب بهذا مباح في نفسه. انتهى.
4ـ إخفاء العمل الصالح مطلوب محافظة على الإخلاص, والبعد عن الرياء, ولا يجوز تعمد الكذب لأجل إخفاء العمل الصالح, بل يمكن استخدام التعريض للسلامة من الكذب, مثل قولك مثلًا "مسافر لقضاء حاجة" جوابًا لمن سألك عن سفر الحج, ولا يعتبر هذا من الكذب, وراجع في ذلك الفتوى رقم: 286876.
والله أعلم.