الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في فسخ الإجارة بالعذر؛ فذهب الحنفية ومن وافقهم إلى جواز الفسخ.
جاء في الجوهرة النيرة من كتب الحنفية: "أو اكترى دارًا في بلد, ثم نوى السفر وترك المقام، فله الفسخ".
وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر من كتب الحنفية أيضًا: "(وكذا لو استأجر عقارًا ثم أراد السفر) فهو عذر لما فيه من المنع عن السفر, وفيه ضرر تعطيل مصالح السفر، أو إلزام الأجر بدون الانتفاع".
وفي المحلى لابن حزم الظاهري: "وكذلك إن اضطر المستأجر إلى الرحيل عن البلد, أو اضطر المؤاجر إلى ذلك, فإن الإجارة تنفسخ إذا كان في بقائها ضرر على أحدهما, كمرض مانع, أو خوف مانع, أو غير ذلك؛ لقول الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}، وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. وهو قول أبي حنيفة.
روينا من طريق عبد الرزاق، نا سفيان الثوري، قال: سئل الشعبي عن رجل استأجر دابة إلى مكان فقضى حاجته دون ذلك المكان. قال: له من الأجرة بقدر المكان الذي انتهى إليه. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فيمن اكترى دابة إلى أرض معلومة فأبى أن يخرج. قال قتادة: إذا حدث نازلة يعذر بها لم يلزمه الكراء".
بينما ذهب الجمهور إلى عدم انفساخ الإجارة بالعذر.
جاء في شرح منهاج الطالبين: "ولا تفسخ (بعذر) في غير المعقود عليه للمستأجر أو المؤجر الأول (كتعذر وقود حمام) على مستأجره (وسفر) عرض لمستأجر دار مثلًا".
قال القليوبي في حاشيته: "قوله: (لا تفسخ ... إلخ) أي: ولا يثبت به خيار، خلافًا لأبي حنيفة".
وانظر الفتوى رقم: 46107.
فبناء على ما ذهب إليه الجمهور؛ يحق لصاحب البناية التمسك بإبقاء العقد وعدم رد المبلغ.
والله أعلم.