الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يستطع الابن تمييز مال الأم عن ماله بمعرفة ما لكل منهما وليس هنالك ما يفصل في ذلك، فلا بد حينئذ من الاجتهاد والاحتياط حتى يخرج ما يغلب على ظنه كونه مال أمه ويقسم على ورثتها، وهذا مثل ما لو اختلط بماله مال حرام ولم يستطع معرفة مقدار ماله المباح له مما خالطه من الحرام، قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 366): "قُلْتُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ سَبِيلَ التَّوْبَةِ مِمَّا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ رِبًا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهُ بِظُلْمٍ فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْرِ كَمِ الْحَرَامُ مِنَ الْحَلَالِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ مَا بِيَدِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّ مَا يَبْقَى قَدْ خَلَصَ لَهُ فَيَرُدُّهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَزَالَ عَنْ يَدِهِ إِلَى مَنْ عُرِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ." انتهى
وأما الزكاة في ذلك المال المختلط: فقد بينا في الفتوى رقم: 59796، أن الأحوط اعتبار تأثير الخلطة مطلقا، وهو ما ذهب إليه الشافعية، وهو رواية عن أحمد، لعموم حديث أبي بكر رضي الله عنه: ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: تثبت خلطة الاشتراك والجوار في الزروع والثمار والنقدين والتجارة، كما في الماشية.
وقال ابن المقرئ في الروض: الخلطة قد توجب زكاة لا تجب، كخلطة عشرين بمثلها.
وعلى هذا؛ فإن كان ذلك المال بمجموعه بالغا النصاب وقد حال عليه الحول ولم تؤد زكاته فيزكى قبل قسمته.
والله أعلم.