الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله أن وفقك لما أنت عليه من الطاعات، ونسأله أن يثبتك على الطاعة، وأن يجنبك العجب، وآفات القلوب التي قد تدخل على بعض الصالحين، وأما قولك: ولكن الشيطان يوسوس لي إلى آخره... فنخشى أن يكون من العجب بالنفس، ونرجو أن يكون ما تجدينه وسوسة لا تستقر، فأمر الخواطر أسهل من استقرار الداء، وراجعي دواء العجب في الفتويين رقم: 118700، ورقم: 177257.
وننبهك إلى أن المسلم مأمور أن يقارن نفسه في الدين بمن هو أعلى منه، لا من هو أدنى، فلا تنظري إلى أنك أكثر صلاة وصيامًا من أهلك، وإنما ينبغي أن تنظري إلى من هو أكثر صلاة وصيامًا منك ـ وسير السلف الصالح، وحال كثير من عُباد زماننا ـ تُعرّفك مدى تقصيرك، فانظري إلى حال من هو أعلى منك تبصري تقصيرك في العمل، وإن كنت أحسن حالًا من بعض أهل زمانك. وربما القليل من الصلاة، والصيام من أهلك ـ في نظرك ـ يقبله الله، وربما يكون لهم أعمال باطنة، وأنى لك الضمانة أن الله تقبل عملك؟! بل المسلم مهما أتى من الصالحات فهو على وجل، يتهم عمله، ويخاف عدم القبول، ولا يرى نفسه من الصالحين، كما قال تعالى في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ {المؤمنون: 60ـ 61}.
وقد روى الترمذي في سننه عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ـ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ. صححه الألباني.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ـ أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك، ومع هذا: قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ـ أي: خائفة: أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ـ أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات. اهـ.
وراجعي الفتويين رقم: 232882، ورقم: 243745.
والله أعلم.