الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحشرات المتولدة من طاهر وليس لها دم سائل تعتبر ميتتها طاهرة عند أكثر العلماء؛ قال ابن قدامة: وكل ما ليس له دم سائل: لا يتنجس بالموت، ولا يتنجس الماء إذا مات فيه، في قول عامة الفقهاء؛ قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافًا، إلا ما كان من أحد قولي الشافعي، قال فيها قولان:
أحدهما: ينجس قليل الماء. قال بعض أصحابه: وهو القياس.
والثاني: لا ينجس، وهو الأصلح للناس.
فأما الحيوان في نفسه فهو عنده نجس، قولًا واحدًا؛ لأنه حيوان لا يؤكل لا لحرمته، فينجس بالموت، كالبغل، والحمار.
ولنا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء». رواه البخاري، وأبو داود. وفي لفظ: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه سمًّا، وفي الآخر شفاء». قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك. قال الشافعي: مقله ليس بقتله.
قلنا: اللفظ عام في كل شراب بارد، أو حار، أو دهن، مما يموت بغمسه فيه، فلو كان ينجس الماء كان أمرًا بإفساده، وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «قال لسلمان: يا سلمان، أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليست لها نفس سائلة، فهو الحلال أكله، وشربه، ووضوؤه». وهذا صريح. أخرجه الترمذي، والدارقطني. قال الترمذي: يرويه بقية، وهو مدلس، فإذا روى عن الثقات جود. ولأنه لا نفس له سائلة، لم يتولد من النجاسة، فأشبه دود الخل إذا مات فيه، فإنهم سلموا ذلك ونحوه، أنه لا ينجس المائع الذي تولد منه، إلا أن يؤخذ ثم يطرح فيه، أو يشق الاحتراز منه، أشبه ما ذكرناه، وإذا ثبت أنه لا ينجس، لزم أن لا يكون نجسًا؛ لأنه لو كان نجسًا لنجس كسائر النجاسات. اهـ. من المغني باختصار يسير.
فجميع أجزاء الحشرات -المتولدة من طاهر، ولا دم لها سائل- طاهرة؛ قال ابن قدامة: ما لا نفس له سائلة، فهو طاهر بجميع أجزائه وفضلاته. اهـ.
وعليه؛ فلا حرج في استعمال المستحضرات التي تحوي أجزاء من الحشرات المتولدة من طاهر والتي لا دم لها سائل -كالدود ونحوه-، ما لم يكن فيها ضرر.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 125207.
والله أعلم.