الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمناداة أحد من الموتى عند النهوض، أو عند حمل شيء، ونحو ذلك، نوع من الاستعانة به، أو طلب الغوث منه، وهذا شرك -والعياذ بالله-، وسبب كونه شركًا قد بيناه في الفتوى رقم: 137311. وراجع لتفصيل مناداة الموتى وحكمها الفتوى رقم: 245242.
وأما قول المرء: (لبيك يا فلان) فإن كانت لأحد من الأحياء، فلا حرج فيها، إن كان هذا الشخص ممن تجوز إجابة ندائه، وطاعته، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 158713.
وأما إطلاقه في حق من مات، وإن كان ممن تجوز، أو حتى تجب إجابته: فلا تصح إلا على سبيل التجوز؛ لأنها وضعت للاستجابة للداعي، وهذا إنما يتصور في الحي لا الميت؛ ولذلك منع منه طائفة من أهل العلم؛ فقد سئل الشيخ/ صالح الفوزان عن الملصقات المكتوب عليها: "لبيك يا رسول الله"؟
فأجاب بقوله: "لبيك" هذا لله عز وجل؛ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك. أما "لبيك يا رسول الله" لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ناداك، وقال: يا فلان. تقول: "لبيك يا رسول الله"، كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا دعاهم قالوا: لبيك يا رسول الله. أما بعد موته فلا تقل: "لبيك يا رسول الله"، تقول: "لبيك اللهم لبيك". اهـ.
ولا يخفى أن غير النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذا المنع.
وأما الحلف بغير الله ولو كان نبيًّا -فضلًا عمن دونه-: فلا يجوز، وهو من شرك الألفاظ، وراجع في ذلك الفتويين: 26378، 19237.
وأما طلب مغفرة الذنوب، والآثام (الاستغفار): فلا تجوز إلا ممن يقدر عليها، وهو الله وحده لا شريك له سبحانه، وطلب ذلك من غيره -ولو كان نبيًّا- شرك -والعياذ بالله-؛ قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5]، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13، 14].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مختصر الفتاوى المصرية-: أما دعاء غير الله، والاستعانة بغيره، فلا يجوز ... ولا يجوز أن يقول: يا رسول الله، اغفر لي. ولا: يا رسول الله، ارحمني. ولا: تب عليّ ... ولا يُدعى إلا الله وحده، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؛ {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا}، ولا يجوز أن يُدعى أحد من الملائكة، ولا النبيين، فكيف بالمشايخ؟! اهـ.
وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم): وقد زين الشيطان لكثير من الناس سوء عملهم، واستزلهم عن إخلاص الدين لله إلى أنواع من الشرك ... ومن جهالهم من يتوهم أن زيارة القبور واجبة، ومنهم من يسأل المقبور الميت، كما يسأل الحي الذي لا يموت! يقول: يا سيدي فلان، اغفر لي، وارحمني، وتب عليّ. اهـ.
وقال في (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة): وقد ذكر علماء الإسلام، وأئمة الدين الأدعية الشرعية، وأعرضوا عن الأدعية البدعية، فينبغي اتباع ذلك، والمراتب في هذا الباب ثلاث:
- (إحداها): أن يدعو غير الله وهو ميت، أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم، فيقول: يا سيدي فلان، أغثني. أو: أنا أستجير بك. أو: أستغيث بك. أو: انصرني على عدوي.
- وأعظم من ذلك أن يقول: اغفر لي، وتب عليَّ. كما يفعله طائفة من الجهال المشركين. وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره، ويصلي إليه، ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص، والكعبة قبلة العوام ... اهـ.
وقال -كما في المستدرك على مجموع الفتاوى-: ولا يجوز أن يقول لملك، ولا نبي، ولا شيخ ميت، أو حي: اغفر لي ذنبي، وانصرني على عدوي. فمن سأل مخلوقًا شيئًا من ذلك، فهو مشرك به، قد اتخذ لله ندًّا، يجب أن يستتاب ... وهذا مثل دين النصارى. اهـ.
وحتى من حيث الاستعمال اللغوي، لا يصح استعمال الغفران مع غير الله تعالى، إلا استعمالًا شاذًّا؛ قال أبو هلال العسكري في (الفروق اللغوية): الغفران يقتضي إسقاط العقاب، وإسقاط العقاب هو إيجاب الثواب، فلا يستحق الغفران إلا المؤمن المستحق للثواب؛ ولهذا لا يستعمل إلا في الله، فيقال: غفر الله لك. ولا يقال: غفر زيد لك، إلا شاذًّا قليلًا. والشاهد على شذوذه أنه لا يتصرف في صفات العبد كما يتصرف في صفات الله تعالى، ألا ترى أنه يقال: استغفرت الله تعالى، ولا يقال: استغفرت زيدًا. اهـ.
وقال أبو البقاء الكفوي في (الكليات): الغفران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثواب، ولا يستحقه إلا المؤمن، ولا يستعمل إلا في الباري تعالى. اهـ.
والله أعلم.