الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان الصفة الشرعية للقبور، فراجع في ذلك الفتويين: 562، 504.
وأما بناء المقبرة على الهيئة المذكورة في السؤال، فلا ريب في مخالفتها للسنة. وقد نص بعض أهل العلم على حرمة الدفن في الفساقي (وهي بيوت تحت الأرض) لأنها لا تمنع رائحة الميت، ولما يكون فيها من إدخال ميت على ميت، وهتك حرمة الأول، مع ما فيها من البناء، والتجصيص.
جاء في المنهج القويم، شرح المقدمة الحضرمية للهيتمي: لأن حكمة الدفن: صونه عن انتهاك جسمه، وانتشار رائحته المستلزم للتأذي بها، واستقذار جيفته؛ فاشترطت حفرة تمنعهما، ومن ثم لم تكف الفساقي وإن منعت الوحش؛ لأنها لا تكتم الريح، وخرج بالحفرة ما لو وضع على وجه الأرض، وبني عليه ما يمنعهما، فإنه لا يكفي إلا أن تعذر الحفر كما لو مات بسفينة، والساحل بعيد أو ...، اهـ.
وقال في (الفتاوى الفقهية الكبرى): قال السبكي: في الاكتفاء بالفساقي نظر؛ لأنها ليست معدة لكتم الرائحة، لأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعا. قال: وقد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت؛ لما فيه من هتك حرمة الأول، وظهور رائحته. فيجب إنكار ذلك. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): يكره الدفن في الفساقي، وهي كبيت معقود بالبناء، يسع لجماعة قياما؛ لمخالفتها السنة، والكراهة فيها من وجوه وهي: عدم اللحد، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها، وخصوصا إذا كان فيها ميت لم يبل، وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبور التي لم تبل أربابها، وإدخال أجانب عليهم، فهو من المنكر الظاهر، وليس من الضرورة المبيحة لدفن ميتين فأكثر، في قبر واحد. ويرى بعض الفقهاء أنه يكره ذلك حتى إذا صار الميت ترابا؛ لأن الحرمة باقية. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: تبنى مدافن على شكل بيوت تحت الأرض، يوضع فيها الأموات. هل هذا العمل جائز؟
فأجاب: أما البناء على القبور، واتخاذ البنايات عليها، وتجصيصها: فهذا منكر، لا يجوز. أما جعل حفرة في الأرض يجعل فيها الأموات: فهذا خلاف السنة؛ السنة أن يكون كل ميت في قبر لوحده، يلحد له. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 106206، 62254، 20280، 203449.
وإذا كان بناء المقابر بهذه المواصفات لا يجوز، فلا يجوز العمل في بنائها؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء، حرم ثمنه. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
وقال الشيخ ابن عثيمين: كل حرام، فأخذ العوض عنه حرام، سواء ببيع، أو بإجارة، أو غير ذلك. اهـ.
والله أعلم.